في مشربة قليلا، فشربت ورجعت إلي نفسي. ثم سقاني قليلا وأخذ بيدي، فقلت: ورائي شيخ ملقى. فذهب جماعة إليه. وأخذ بيدي وأنا أمشي وأجر رجلي، حتى إذا بلغت عند سفينتهم وأتوا بالشيخ، وأحسنوا إلينا، فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا. ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها راية، إلى واليهم. فزودونا من الكعك والسويق والماء. فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت، فجعلنا نمشي جياعا على شط البحر، حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس. فعمدنا إلى حجر كبير، فضربنا على ظهرها فانفلق، فإذا فيها مثل صفرة البيض، فحسيناه حتى سكت عنا الجوع، حتى توصلنا إلى مدينة الراية وأوصلنا الكتاب إلى عاملها. فأنزلنا في داره فكان يقدم إلينا كل يوم القرع، ويقول لخادمه: هات لهم اليقطين المبارك. فيقدمه مع الخبز أياما. فقال واحد منا: ألا تدعو باللحم المشؤوم. فسمع صاحب الدار، فقال: أنا أحسن بالفارسية فإن جدتي كانت هروية. وأتانا بعد ذلك باللحم. ثم زودنا إلى مصر.
سمعت أبي يقول: لا أحصي كم مرة سرت من الكوفة إلى بغداد.
توفي أبو حاتم في شعبان سنة سبع وسبعين، وله اثنتان وثمانون سنة.
قال: وأنشدني أبو محمد الإيادي في أبي يرثيه بقصيدة طويلة أولها:
أنفسي ما لك لا تجزعينا وعيني ما لك لا تدمعينا ألم تسمعي بكسوف العلو م في شهر شعبان محقا مدينا ألم تسمعي خبر المرتضى أبي حاتم أعلم العالمينا وساق القصيدة كلها.
٣٥٤ - محمد بن إدريس بن عمر، أبو بكر المكي، وراق أبي بكر الحميدي.
يروي عن: أبي عاصم النبيل، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وخلاد بن