الإيضاح لأبي عليّ الفارسيّ، فحفظته في شهورٍ كثيرة، ولازمت مطالعة شروحه وتتبّعته التتبّع التّامّ حتّى تبحّرت فيه. وأمّا التّكملة فحفظتها في أيامٍ يسيرة كلّ يوم كرّاساً. وطالعت الكتب المبسوطة، وفي أثناء ذلك لا أغفل سماع الحديث والتّفقّه على شيخنا ابن فضلان.
ومن كلام الموفّق عبد اللّطيف، وكان فصيحاً، مفوّهاً: ينبغي أن تحاسب نفسك كلّ ليلة إذا أويت إلى منامك، وتنظر ما اكتسبت في يومك من حسنة فتشكر الله عليها، وما اكتسبت من سيئةٍ، فتستغفر الله منها، وتقلع عنها. وترتّب في نفسك ما تعمله في غدك من الحسنات، وتسأل الله الإعانة على ذلك.
وقال: ينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصّدر الأوّل، فاقرأ سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتتبّع أفعاله وأحواله، واقتف آثاره، وتشبّه به ما أمكنك، وإذا وقفت على سيرته في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه ويقظته وتمرّضه وتطبّبه وتمتّعه وتطيّبه، ومعاملته مع ربّه، ومع أزواجه وأصحابه وأعدائه، وفعلت اليسير من ذلك، فأنت السعيد كلّ السعيد.
قال: ومن لم يحتمل ألم التّعلّم لم يذق لذّة العلم، ومن لم يكدح لم يفلح، وإذا خلوت من التّعلّم والتّفكّر فحرّك لسانك بذكر الله وتسبيحه وخاصّةً عند النوم. وإذا حدث لك فرحٌ بالدّنيا، فاذكر الموت وسرعة الزّوال، وأصناف المنغّصات، وإذا حزبك أمرٌ فاسترجع، وإذا اعترتك غفلةٌ فاستغفر، واجعل الموت نصب عينيك، والعلم والتّقى زادك إلى الآخرة، وإذا أردت أن تعصي الله فاطلب مكاناً لا يراك فيه، وعليك أن تجعل باطنك خيراً من ظاهرك فإنّ الناس عيون الله على العبد يريهم خيره وإن أخفاه، وشرّه وإن ستره، فباطنه مكشوفٌ لله، والله يكشفه لعباده. واعلم أنّ للدّين عبقةً وعرفاً ينادي على صاحبه ونوراً وضياء يشرق عليه ويدّل عليه، كتاجر المسك لا يخفى مكانه.
ثمّ قال: اللهم أعذنا من شموس الطبيعة، وجموح النّفس الرّديّة، وسلّس لنا مقاد التّوفيق، وخذ بنا في سواء الطّريق، يا هادي العمي يا مرشد الضّلاّل يا محيي القلوب الميّتة بالإيمان خذ بأيدينا من مهواة الهلكة، ونجّنا من ردغة الطبيعة، وطهرنا من درن الدنيا الدنية بالإخلاص لك والتقوى إنك مالك الدنيا والآخرة. سبحان من عمّ بحكمته الوجود، واستحق بكلّ وجه أن