الغلام، فقال: امش معها. فجئت فوجدت أمي في البيت الأسفل، ووجدت أبي يصلي في العلو فقلت لها: أي أمه، ما الذي سمعت؟ فإذا هي لم ينزل بها من حيث نزل مني، فقالت: أي بنية وما عليك، فما من امرأة لها ضرائر تكون جميلة يحبها زوجها إلا وهي يقال لها بعض ذلك. فقلت: وقد سمعه أبي؟ فقالت: نعم، فقلت: وسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، فسمع أبي البكاء، فقال: ما شأنها؟ فقالت: سمعت الذي تحدث به. ففاضت عيناه يبكي، فقال: أي بنية، ارجعي إلى بيتك، فرجعت، وأصبح أبواي عندي، حتى إذا صليت العصر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بين أبوي، أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد يا عائشة إن كنت ظلمت أو أخطأت أو أسأت فتوبي وراجعي أمر الله واستغفري، فوعظني، وبالباب امرأة من الأنصار قد سلمت، فهي جالسة بباب البيت في الحجرة، وأنا أقول: ألا تستحيي أن تذكر هذا، والمرأة تسمع، حتى إذا قضى كلامه قلت لأبي وغمزته: ألا تكلمه؟ فقال: وما أقول له؟ والتفت إلى أمي فقلت: ألا تكلمينه؟ فقالت: وماذا أقول له؟ فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم أن قد فعلت والله يشهد أني لبريئة ما فعلت لتقولن قد باءت به على نفسها واعترفت به، ولئن قلت لم أفعل والله يعلم أني لصادقة ما أنتم بمصدقي. لقد دخل هذا في أنفسكم واستفاض فيكم، وما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف العبد الصالح؛ وما أعرف يومئذ اسمه: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
ونزل الوحي ساعة قضيت كلامي، فعرفت والله البشر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلم. فمسح جبهته وجبينه ثم قال: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله عذرك. وتلا القرآن. فكنت أشد ما كنت غضبا، فقال لي أبواي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا إياكما ولكني أحمد الله الذي برأني. لقد سمعتم فما أنكرتم ولا جادلتم ولا خاصمتم.
فقال الرجل الذي قيل له ما قيل، حين بلغه نزول العذر: سبحان الله،