وفيها ثار أهل الكرخ بالعيارين فهربوا، وكبسوا دورهم ونهبوا سلاحهم، وطلبوا من السلطان المعاونة؛ لأن العيارين نهبوا تاجرا فغضب له أهل سوقه، فرد العيارون بعض ما أخذوا، ثم كبسوا دار ابن الفلو الواعظ وأخذوا ماله، وأخذوا في الكبسات، وانضاف إليهم مولدوا الأتراك وحاشيتهم.
ثم إن الغلمان صمموا على عزل جلال الدولة وإظهار أمر أبي كاليجار، وتحالفوا وقالوا: لا بد أن يروح عنا إلى واسط. ثم قطعوا خطبته، فانزعج وأنفذ سراريه إلى دار الخلافة، وخير الباقيات في أن يعتقهن، وطلب من الغلمان أن يخفروه، وقال: لا أخرج على غير قاعدة.
وامتلأ جانبا دجلة بالناس، وترددت الرسل إلى الملك بالنزوح، وقال: ابعثوا معي مائة غلام يحرسوني. فقالوا: بل عشرون. فقال: أريد سفينة تحملني، ونفقة تُوصلني. فقرروا بينهم إطلاق ستين دينارا نفقة، فالتزم بعض القواد منها بثلاثة دنانير. فلما كان الليل خرج نفر من غلمانه إلى عكبرا على وجه المخاطرة فبادر الغلمان إلى دار المملكة فنهبوها.
وكتب الملأ إلى أبي كاليجار بما فعلوه من اجتماع الكلمة عليه، وطلبوا منه من ينوب عنه. فلما بلغه قال: هؤلاء الأتراك يكتبون ما لا يعتقدون الوفاء به ولا يصدقون. فإن كانوا محقين في طاعتهم فليظهروا شعارنا وليخرجوا من عندهم، ولا أقل من أن يسيروا إلي منهم خمسمائة غلام لأتوجه معهم.
وكان وزيره ابن قبة الذي وقف الكتب على العلماء، وهي تسعة عشر ألف مجلد، فيها أربعة آلاف بخط ابن مقلة.
ثم اختلت المملكة، وقطع عن جلال الدولة المادة التي حتى باع من ثيابه الملبوسة في الأسواق، وخلت داره من حاجب وفراش، وقطع ضرب الطبل لانقطاع الطبالين، وتخبط أمر بغداد، ومد الأتراك أيديهم إلى النهب، وتشاور القواد أن يخطبوا للملك أبي كاليجار، وتوقفوا.
وخرج جلال الدولة إلى عكبرا وقصد كمال الدولة أبا سنان فاستقبله أبو سنان وقبل الأرض وقال: خزائني وأولادي لك، وأنا أتوسط بينك وبين جندك، وزوجه ابنته. ثم جاءه جماعة من الجند معتذرين، وأعيدت خطبته.