ودخل نيسابور قبلي بشهر أو نحوه في سنة تسع وعشرين، فسمع بقراءتي وسمعت بقراءته مدّة مقامنا بها، إلى أن اتّفق خروجه إلى هراة وخروجي إلى أصبهان. واجتمعت به ببغداد بعد رجوعه في سنة ثلاث وثلاثين. وسمعت منه كتاب المجالسة بدمشق، ومعجم شيوخه. وكان قد شرع في التاريخ الكبير لمدينة دمشق، وصنّف التصانيف، وخرّج التخاريج.
وقرأت بخط ابن الحاجب قال: حدّثني زين الأمناء قال: حدّثني ابن القزوينيّ عن والده مدرّس النّظاميّة، يعني أبا الخير، قال: حكى لنا أبو عبد الله الفراويّ قال: قدم أبو القاسم ابن عساكر فقرأ عليّ ثلاثة أيام، فأكثر وأضجرني، وآليت على نفسي أن أغلق الغد بابي وأمتنع. فلما أصبحت قدم عليّ شخص فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلّم إليك. قلت: مرحبًا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فقال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النوم، فقال لي: امض إلى الفراويّ وقل له: قدم بلدكم رجل من الشام أسمر اللون يطلب حديثي، فلا يأخذك منه ضجر ولا ملل. قال القزوينيّ: فوالله ما كان الفراويّ يقوم من المجلس حتّى يقوم الحافظ ابتداء منه.
وقال ابنه القاسم أبو محمد الحافظ: كان رحمه الله مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم في كلّ جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية. وكان كثير النوافل والأذكار.
وكان يحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة. وقال لي: لمّا حملت بي أمّي رأت في منامها قائلا يقول لها: تلدين غلامًا يكون له شأن.
وحدّثني أنّ أباه رأى رؤيا معناها: يولد لك ولد يحيي الله به السنّة. حدّثني أبي رحمه الله قال: كنت يوما أقرأ على أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدّث مع الجماعة، فقال: قدم علينا أبو عليّ ابن الوزير، فقلنا: ما رأينا مثله. ثم قدم علينا أبو سعد ابن السمعاني، فقلنا: ما رأينا مثله، حتّى قدم علينا هذا، فلم نر مثله.
وحكى لي أبو الحسن عليّ بن إبراهيم الأنصاريّ الحنبليّ عن أبي الحسن سعد الخير قال: ما رأينا في سنّ الحافظ أبي القاسم مثله. وحدّثنا محمد بن عبد الرحمن المسعوديّ قال: سمعت أبا العلاء الهمذانيّ يقول لرجل، وقد استأذنه أن يرحل، فقال: إن عرفت