للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلَّت أزوادنا وأحطابنا، فأوقدنا معظم عُدَدنا، وذبحنا الخيل وأكلناها، ومات الكُند الذي على الفرقة الواحدة، وطمع ابن لاون حتى عزم على أخذ مال الملك لمرضه وضعفه، وقلّة من أقام معه، فشاور السّلطان الأمراء، فوقع الاتفاق على تسيير بعض العساكر إلى طريقهم. فكان أول من سار الملك المنصور محمد بن المظفر، ثم سار عز الدّين ابن المقدم صاحب بَعرين وفامية، ثم الأمجد صاحب بعلبك، ثم سابق الدّين عثمان ابن الداية صاحب شيزر، ثم عسكر حماة، ثم سار الملك الظاهر إلى حفظ حلب، فخفت الميمنة، فانتقل إليها الملك العادل، ووقع في العسكر مرضٌ كثير، وكذلك في العدو، وتقدَّم السّلطان يهدم سور طبرية، ويافا، وأرسُوف، وقيسارية، وصيدا، وجُبيل، وانتقل أهلها إلى بيروت.

وفي رجب سار ملك الألمانيين من أنطاكية إلى اللاذقية ثم إلى طرابلس، وكان قد سار إليه المركيس صاحب صور، فقوّى قلبه، وسلك به الساحل، فكانت عدة من معه لمّا وصل إلى طرابلس خمسة آلاف بعد ذلك الجيش العظيم. ثم إنه نزل في البحر، وسار معظم أصحابه في الساحل، فثارت عليه ريح، فأهلكت من أصحابه ثلاثة مراكب، فوصل إلى عكا في جمع قليل في رمضان، فلم يظهر له وقع، ثم هلك على عكا في ثاني عشر ذي الحجّة سنة ستٍّ وثمانين، فسبحان من أبادهم ومحقهم.

ويوم وصول ملك الألمان إلى عكا ركبت الفرنج وأظهروا قوة وأرجفوا، وحملوا على يزك المسلمين، فركب السّلطان، ووقع الحرب، ودام إلى الليل فكانت الدائرة على الكفار، ولم يزل السيف يعمل فيهم حتى دخلوا خيامهم. ولم يُقتل يومئذ من المسلمين إلاّ رجلان، لكن جُرح جماعة كثيرة.

ولما مات طاغية الألمان حزنت عليه الفرنج، وأشعلوا نيرانًا هائلة بحيث لم يبق خيمة إلاّ أوقد فيها النار. ومات لهم كند عظيم، ووقع الوباء فيهم والمرض، ومرض كندهري، وصار يموت في اليوم المائة وأكثر في معسكرهم. واستأمن منهم خلق عظيم، أخرجهم الجوع، وقالوا للسلطان: نحن نركب البحر في مراكب صغار، ونكسب من النصارى، ويكون الكسب لنا ولكم. فأعطاهم السّلطان مركبًا فركبوا فيه، وظفروا بمراكب التجار النصارى، وأتوا بالغنائم إلى السّلطان فأعطاهم الجميع، فلما رأوا هذا أسلم جماعة

<<  <  ج: ص:  >  >>