بجبَلَة ونواحيها، فحملته غيرة الدّين على قصد السّلطان، وتكفَّل له بفتح جبلَة واللاذقية والبلاد الشمالية، فسار صلاح الدّين معه فأخذ أًنطرطُوس، وسار إلى المرقب، وهو من حصونهم التي لا تُرام، ولا يحدّث أحد نفسه بملكه لعُلُوّه وامتناعه، ولا طريق إلى جبلَة إلاّ من تحته.
ثم ساق عز الدّين ابن الأثير فتوحات الحصون المذكورة بعبارةٍ طويلة واضحة، لأن عز الدّين حضر هذه الفتوحات الشمالية. ثم ذكر بعدها فتح الكرك، والشوبك وما جاور تلك الناحية من الحصون الصغار. ثم ذكر فتح صفد، وكوكب، إلى أن قال: فتسلّم حصن كوكب في نصف ذي القعدة، وأمنهم وسيَّرهم إلى صور، فاجتمع بها شياطين الفرنج وشجعانهم، واشتدت شوكتهم، وتابعوا الرُّسل إلى جزائر البحر يستغيثون، والأمداد كلّ قليل تأتيهم. وكان ذلك بتفريط صلاح الدّين في إطلاق كل من حضره، حتى عضّ بنانه ندمًا وأسفًا حيث لم ينفعه ذلك. وتمّ للمسلمين بفتح كوكب من حد أيلة إلى بيروت، لا يفصل بين ذلك غير مدينة صور.
أنبأني ابن البُزُوريّ قال: وفي المحرّم خرج الوزير جلال الدّين ابن يونس للقاء السّلطان طُغرل بن رسلان شاه في العساكر الديوانية، واستنيب في الوزارة قاضي القضاة أبو طالب عليّ ابن البخاري.
وفي ربيع الأول كان المُصافّ بين الوزير ابن يونس وطُغرل، وحرَّض الوزير أصحابه وكان فيما يقول: مَن هاب خاب، ومَن أقدم أصاب، ولكل أجلٍ كتاب. فلما ظهر له تقاعس عساكره عن الإقدام، وزلت بهم الأقدام، تأسَّف على فوت المُرام، وثبت في نفرٍ يسير كالأسير، وبيده سيف مشهور، ومُصحف منشور، لا يقدم لهيبته أحدٌ عليه، بل ينظرون إليه فأقدم بعض خواص طُغرل وجاء فأخذ بعنان دابته، وقادها إلى خيمته، ثم أنزله وأجلسه، فجاء إليه السّلطان في خواصه ووزيره، فلزم معهم الأدب وقانون الوزارة، ولم يقم إليهم، فعجبوا من فِعله، وكلَّمهم بكلام خشن، فلم يزل السّلطان طُغرل له مُكرِمًا، ولمنزلته محترمًا، إلى حين عوده.