حتى أفضت بها الحال إلى كل قلة وذلة، وتكشفت عن فقر مدقع. وقد كان عضد الدولة خطبها، فامتنعت ترفعا عليه، فحقد عليها، وما زال يعنف بها حتى عراها وهتكها، ثم ألزمها أن تختلف إلى دار القحاب فتتكسب ما تؤديه في المصادرة، فلما ضاق بها الأمر غرقت نفسها في دجلة، فلا قوة إلا بالله.
[سنة سبع وستين وثلاثمائة]
فيها جاء الخبر بهلاك أبي يعقوب يوسف بن الحسن الجنابي القرمطي صاحب هجر، فأغلقت أسواق الكوفة له ثلاثة أيام، وكان موازرا لعضد الدولة.
وفيها عبر عز الدولة إلى الجانب الغربي على جسر عمله ورحل إلى قطربل، وتفرق عنه الديلم، ودخل أوائل أصحاب عضد الدولة بغداد، وخرج الطائع يتلقاه، وضربت له القباب المزينة، ودخل البلد. ثم إنه خرج لقتال عز الدولة، فالتقوا، فأخذ عز الدولة أسيرا، وقتله بعد ذلك.
وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة وتوجه بتاج مجوهر، وطوقه، وسوره، وقلده سيفا، وعقد له لواءين بيده، أحدهما مفضض على رسم الأمراء، والآخر مذهب على رسم ولاة العهود، ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله، ولقبه تاج الملة، وكُتب له عهد بحضرته وقرئ بحضرته، ولم تجر العادة بذلك، إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين، فإذا أخذه قال أمير المؤمنين: هذا عهدي إليك فاعمل به وبعث إليه الطائع هدايا كثيرة، فبعث هو إلى الطائع تقادم من جملتها خمسون ألف دينار وألف ألف درهم، وخيل، وبغال، ومسك، وعنبر.
وفيها زادت دجلة ببغداد حتى بلغت إحدى وعشرين ذراعا، وكادت بغداد تغرق، وغرقت أماكن.
وفي ذي القعدة زلزلت سيراف، وسقطت البيوت، وهلك أكثر من مائتي إنسان تحتها.
وفيها تمت عدة مصافات بين هفتكين وبين العبيديين، قتل فيها خلق كثير، وطار صيت هفتكين بالشجاعة والإقدام، ولم يكن عنده عسكر كثير.