وكان يُسهل عليه بذل الأموال سعة ما يتحصّل من الخراج. كان يرتفع ما يخرج إليه من إفريقية في كل سنة مائة وخمسون حمل بغل، هذا سوى حمل بِجاية وأعمالها وتلمسان وأعمالها. وكانت أيّامه مواسم وخصبًا وأمنًا.
وفي سنة تسع وسبعين تجهّز للغزو واستنفر أهل السهل والجبل والعرب، فعبر بهم الأندلس فنزل إشبيلية، ثم قصد مدينة شَنترين أعادها إلى المسلمين، وهي بغرب الأندلس. أخذها ابن الريق لعنه الله، فنازلها أبو يعقوب وضايقها، وقطع أشجارها، وحاصرها مدّة. ثم خاف المسلمون البرد وزيادة النهر، فأشاروا على أبي يعقوب بالرجوع فوافقهم، وقال: غدًا نرحل. فكان أوّل من قوّض خباءه أبو الحسن علي ابن القاضي عبد الله المالقيّ، وكان خطيبهم. فلمّا رآه الناس قوّضوا أخبيتهم ثقةً به لمكانه، فعبر تلك العشيّة أكثر العسكر النهر، وتقدموا خوف الزحام، وبات الناس يعبرون الليل كلّه، وأبو يعقوب لا علم له بذلك. فلما رأى الروم عبور العساكر، وأخبرهم عيونهم بالأمر، انتهزوا الفرصة وخرجوا وحملوا على الناس، فانهزموا أمامهم حتى بلغوا إلى مخيّم أبي يعقوب، فقتل على باب المخيّم خلق من أعيان الجند، وخلص إلى أمير المؤمنين أبي يعقوب، فطعن تحت سُرّته طعنة مات منها بعد أيّام يسيرة. وتدارك الناس، فانهزم الروم إلى البلد، وقد قضوا ما قضوا، وعبر الموحّدون بأبي يعقوب جريحاّ في مِحَفّة، وتهدّد ابن المالقيّ فهرب بنفسه حتى دخل مدينة شنترين، فأكرمه ابن الريق. وبقي عنده إلى أن تهيّأ له أمر، فكتب إلى الموحّدين يستعطفهم ويتقرّب إليهم بضعف البلد، ويدلّهم على عورته. وقال لابن الريق: إنّي أريد أن أكتب إلى عيالي بإكرام الملك لي. فأذن له، فعثر على كتابه فأحضره وقال: ما حملك على هذا مع إكرامي لك؟ فقال: إنّ ذلك لا يمنعني من النصح لأهل ديني. فأحرقه، ولم يسيروا بأبي يعقوب إلاّ ليلتين أو ثلاثًا حتى مات، فأخبرني من كان معهم أنّه سمع في العسكر النداء الصلاة على جنازة رجل، فصلّى الناس قاطبة لا يعرفون على من صلّوا. وصبّروه وبعثوا به في تابوت مع كافور الحاجب إلى تينملل، فدفن هناك مع