تاشفين أن يراسل المعتمد، يستأذنه في رجالٍ من صلحاء أصحاب ابن تاشفين رغبوا في الرّباط في حصون الأندلس. فأذن له. وأراد ابن تاشفين أن يكون له بالأندلس أعواناً لوقت الحاجة. وقد كانت قلوب الأندلسيين قد أشربت حبّ ابن تاشفين، فانتخب رجالاً، وأمر عليهم قرابته بلّجين، وقرّر معه أموراً، فبقوا بالأندلس إلى أن ثارت الفتنة. ومبدؤها في شوّال سنة ثلاثٍ وثمانين. فملك المرابطون جزيرة طريف، ونادوا فيها بدعوة أمير المسلمين يوسف. ثمّ زحف المرابطون الذين في الحصون إلى قرطبة فحاصروها، وفيها المأمون ابن المعتمد فدخلوها، وقتل المأمون بعد أن أبلى عذراً وأظهر في الدّفاع جلداً وصبراً في صفر سنة أربع وثمانين. فزادت الإحنة والمحنة، وعلت الفتنة.
قال ابن خلّكان: وحاصروا إشبيليّة - وبها المعتمد - أشدّ المحاصرة، وظهر من شدّة بأس المعتمد ومصابرته وتراميه على الموت بنفسه، ما لم يسمع بمثله. فلمّا كان في رجب سنة أربعٍ هجم جيش ابن تاشفين البلد، وشنّوا فيه الغارات. ولم يتركوا لأحدٍ شيئاً. وخرج الناس يسترون عوراتهم بأيديهم. وقبضوا على المعتمد.
وقال عبد الواحد المذكور: وفي نصف رجب ثاروا على المعتمد، فبرز من قصره وسيفه بيده، وغلالته ترفّ على جسده، لا درع عليه، ولا درقة معه، فلقي فارساً مشهور النّجدة فرماه الفارس بحربةٍ، فأصاب غلالته، وضرب هو الفارس بالسيف على عاتقه، فخرّ صريعاً. فانهزمت تلك الجموع، وظنّ أهل إشبيليّة أنّ الخناق قد تنفّس. فلمّا كان وقت العصر، عاودهم البربر، فظهروا على البلد من واديه، وشبّت النار في شوانيه، فعندها انقطع العمل وخاب الأمل. وكان الذي ظهر عليها من جهة البرّ جدير ابن البربري، ومن الوادي الأمير أبو حمامة. والتوت الحال أياماً، إلى أن قدم سير ابن أخي يوسف بن تاشفين بعساكره، والناس في تلك الأيام يرمون أنفسهم من الأسوار. فاتّسع الخرق على الرّاقع بمجيء سير، ودخل البلد من واديه، وأصيب حاضره وباديه، بعد أن جدّ الفريقان في القتال، وشنت الغارة في