كانت سنة ست وأربعين سار من جهته نائبه شمس الدّين لؤلؤ وحاصر حمص، وطلب النجدة من الصالح نجم الدّين أيوب، فلم ينجده، وغضب وجرت أمور، ثم استقرت حمص بيد الملك الناصر.
وفي ربيع الآخر سنة ثمانٍ وأربعين قدم إلى دمشق وأخذها من غير كلفة لاشتغال غلمان الصالح بأنفسهم، ثم في أثناء السنة قصد الديار المصرية ليمتلكها فما تم له.
وفي سنة اثنتين وخمسين دخل على بنت السلطان علاء الدّين صاحب الروم، فولدت له علاء الدّين في سنة ثلاثٍ، وأم هذه هي أخت جدته الصاحبة.
وكان سمحا، جوادا، حليما، حسن الأخلاق، محببا إلى الرعية، فيه عدلٌ في الجملة، وصفح ومحبة للفضيلة والأدب، وكان سوق الشعر نافقا في أيامه، وكان يذبح في مطبخه كل يومٍ أربعمائة رأس، سوى الدجاج والطيور والأجديّة، وكان يبيع الغلمان من سماطه أشياء كثيرة مفتخرة عند باب القلعة بأرخص ثمن، حكى علاء الدّين ابن نصر الله أن الملك الناصر جاء إلى داره بغتة، قال: فمددت له في الوقت سماطا بالدجاج المحشيّ بالسكر والفستق وغيره، فتعجب وقال: كيف تهيأ لك هذا؟ فقلت: هو من نعمتك، اشتريته من عند باب القلعة.
وكانت نفقة مطابخه وما يتعلق بها في كل يومٍ أكثر من عشرين ألف درهم. وكان يحاضر الفضلاء والأدباء، وعلى ذهنه كثير من الشعر والأدب، وله نوادر وأجوبة ونظم، وله حسن ظنٍّ في الصالحين، بنى بدمشق مدرسة وبالجبل رباطا وتربة، وبنى الخان عند المدرسة الزنجيليّة.
وقال أبو شامة: وفي منتصف صفر ورد الخبر إلى دمشق باستيلاء التّتار على حلب بالسيف، فهرب صاحبها من دمشق بأُمرائه الموافقين له على سوء تدبيره، وزال ملكه عن البلاد، ودخلت رسل التّتار بعده بيومٍ إلى دمشق، وقرئ فرمان الملك بأمان دمشق وما حولها، ووصل الناصر إلى غزة، ثم إلى قطية، فتفرَّق عنه عسكره، فتوجه في خواصه إلى وادي موسى، ثم جاء إلى