للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله، فقامت وغابت ساعةً ثم جاءت بها، فإذا هي امرأةٌ ما رأيت أحسن من قدها، ولا أظرف من شكلها، كأن الشمس تحت نقابها، فخدمت، ووقفت، فقمت لها، وقلت: أنت في هذا البلد وما أعلم بك؟ فسفرت عن وجهٍ أضاءت منه المنظرة، فقلت: استتري، فقالت: مات أبي صاحب هذه المدينة، واستولى بكتمر على البلاد، وكان لي ضيعة أعيش منها أخذها الحاجب عليٌ، وما أعيش إلا من عمل النقش وأنا في دور الكراء. فبكيت وأمرت لها بقماش، وأن يصلح دار لسكناها، وقلت: بسم الله. فقالت العجوز: يا خوند ما جاءت إلى خدمتك إلا حتى تحظى بك الليلة. فساعة سمعت كلامها، أوقع الله في قلبي تغير الزمان، وأن يملك خلاط غيري وتحتاج بنتي إلى أن تقعد مثل هذه القعدة فقلت: معاذ الله، والله ما هو من شيمتي، ولا خلوت بغير محارمي، فخذيها وانصرفي كريمةً. فقامت باكيةً وهي تقول: صان الله عاقبتك كما صنتني. وحدثني قال: مات لي مملوكٌ بالرها، وخلف ولداً لم يكن في زمانه أحسن منه، وكان من لا يدري يتهمني به، وكنت أحبه، وهو عندي أعز من الولد، وبلغ عشرين سنة، فضرب غلاماً له فمات، فاستغاث أولياؤه وأثبتوا أنه قتله وجاؤوا يطلبون الثأر، فاجتمع عليهم مماليكي وقالوا: نحن نعطيكم عشر دياتٍ، فأبوا، فطردوهم فوقفوا لي، فقلت: سلموه إليهم، فسلموه فقتلوه. خفت الله أن أمنعهم حقهم لغرض نفسي.

قال أبو المظفر: وقضيته بحران مشهورةٌ مع أصحاب الشيخ حياة لما بددوا المسكر من بين يديه، وكان يقول: بها نصرت.

قال أبو المظفر: لما فارقت دمشق وطلعت إلى الكرك، أقمت عند الناصر، فكنت أتردد إلى القدس من سنة ستٍ وعشرين إلى سنة ثلاثٍ وثلاثين. ثم جرت أسبابٌ أوجبت قدومي دمشق، فسر بقدومي وزارني وخلع علي، فامتنعت من لبسها، فقال: لا بالله البسها ولو ساعةً، ليعلم الناس أنك قد رضيت وزالت الوحشة. وبعث لي بغله الخاص وعشرة آلاف درهم، وأقمت بدمشق - إلى أن توفي - في أرغد عيشٍ معه.

<<  <  ج: ص:  >  >>