قرأت بخط الشيخ قطب الدين قال: انتفع به جم غفير ومُعظم فقهاء دمشق وما حولها وقُضاة الأطراف تلامذته. وكان رحمه الله عنده من الكَرَم المفرط وحُسن العشرة وكثرة الصبر والاحتمال. وعدم الرغبة في التكثُّر من الدنيا والقناعة والإيثار والمبالغة في اللُّطف ولين الكلمة والأدب ما لا مزيد عليه، مع الدين المتين وملازمة قيام الليل والورع وشرف النفس وحسن الخلق والتواضع والعقيدة الحسنة في الفقراء والصُّلحاء وزيارتهم. وله تصانيف مفيدة تدل على محله من العلم وتبحره فيه. وكانت له يد في النَّظم والنثر.
قلت: تفقّه في صغره على الشيخ عز الدين ابن عبد السلام والشيخ تقي الدين ابن الصلاح. وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للإشغال وله بضعٌ وعشرون. ودرّس في سنة ثمانٍ وأربعين. وكتب في الفتاوى وقد كمل ثلاثين سنة.
ولما قدم النواويٌ من بلده أحضروه ليشتغل عليه، فحمل همّه وبعث به إلى مدرس الرواحية، ليصبح له بها بيت ويرتفق بمعلومها. ولم يزل يُشغِل من ذلك الوقت إلى أن مات.
وكانت الفتاوى تأتيه من الأقطار. وكان إذا سافر إلى زيارة بيت المقدس يتنافس أهل البر في الترامي عليه، وإقامة الضيافات له. وكان أكبر من النواوي، رحمهما الله، بسبع سنين. وكان أفقه نفساً وأذكى قريحة وأقوى مناظرة من الشيخ محيي الدين بكثير، لكن كان محيي الدين أنقل للمذهب وأكثر محفوظاً منه. وهؤلاء الأئمة اليوم هم خواص تلامذته: ابنه وقاضي القضاة والشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وكمال الدين الشهبي وزكي الدين زكريا وكان قليل المعلوم، كثير البركة، مع الكرم والإيثار والمروءة والتّجمّل. كان مدرس الباذرائية ولي تدريسها في سنة سبعٍ وسبعين ولم يكن بيده سواها إلا ما له على المصالح. وكذلك ولده، أمتعنا الله ببقائه.
وتجد غيره له عدة مناصب وعليه ألوفٌ كثيرة من الدَّين. هذا وأين ما بين الرجلين من العِلم والدين.
قال رحمه الله ورضي عنه في سنة ثمانٍ وخمسين حين انجفل الناس: