ثم إن العادل توجه إلى الشام، وحشد وعبر الفرات، ونازل قلعة ماردين يحاصرها، وبذل الأموال، وأخذ الربض. ثم إن الملك الأفضل وجد فرصة ونزل هو وأخوه الملك الظاهر صاحب حلب على دمشق يوم الثلاثاء فأصبح الملك العادل خارجاً من أبواب دمشق، فانقطعت قلوبهم، وتعجبوا متى وصل؟ وكان لما سمع بنزولهم استناب ابنه الكامل، وسار على النجائب في البرية فلحق دمشق قبل نزولهم بليلة، ومع هذا فضايقوه. وكان أكثر أهل المدينة معهم عليه إلى أن اختلف الأخوان أيهما يملكها؛ وتنافسا فتقاعسا. ورحل الملك الظاهر فضعف الأفضل، ورحل. وبلغت نفقة العادل عليها وعلى ماردين ألف ألف دينار.
وسعد العادل بأولاده، فمن ذلك أمر خلاط فإن ملكها شاه أرمن ملك مملوكه بكتمر، ومات بعد صلاح الدين بنحو شهرين؛ قتلته الملاحدة. وملك بعده هزار ديناري مملوكه وبقي قليلاً، ومات. وتملك بعده ولد بكتمر، وكان جميل الصورة، حديث السنّ، فاجتمع إليه الأراذل والمفسدون، وحسّنوا له طرقهم؛ فغار الأخيار، وملَّكوا عليهم بلبان مملوك شاه أرمن، وقتل ولد بكتمر أو حبسه. وكانت أخته بنت بكتمر مزوجة بالملك المغيث طغريل بن قلج أرسلان صاحب أرزن الروم، وبين بلبان والمغيث معاقدة ومعاضدة، ولابن بكتمر جماعة يهوونه، فكاتبوا الملك الأوحد ابن العادل صاحب ميافارقين، فقصد خلاط، فسار المغيث لينصر بلبان، فانكف الأوحد، وطمع المغيث في خلاط، فاغتال بلبان، قتله ابن حق باز. وتسلم المغيث خلاط، فحصل لأهلها غبن؛ إذ غدر بملكهم فمنعوه. ثم إنه قبض يده عن الإحسان المنسي الضغائن، وقال له بعض الأمراء: ابذل قدر ألف دينار، وأنا الضَّامن بحصول البلد. قال: أخاف أن لا يحصل ويضيع مالي. فعلموا أنه صغير الهمة؛ فتفرقوا عنه، وكاتبوا الأوحد فجاء وملكها، ثم اختلفوا عليه؛ ونكثوا، فبذل فيهم السيف، وانهزم طائفة.
قال الموفق: فقال لي بعض خواصه: إنه قتل في مدة يسيرة ثمانية عشر ألف نفس من الخواص. وكان يقتلهم ليلاً بين يديه، ويلقون في الآبار. وما لبث إلا قليلاً واختل عقله؛ ومات، وتوهم أبوه أنه جن، فسيَّر إليه ابن زيد المعزِّم وصدقة الطبيب من دمشق.