على خلْعهِ وتولية ابن المكتفي. فدبَّر ابن مُقْلَة تدبيراً انعكس عليه. أشاعَ بأنّ القَرْمَطِي قد غلب على الكوفة، وأرسل إلى القاهر: المصلحة خروج ابن بُلَيْق إلى قتاله. ليدخل ابن بُلَيْق يقبّل يده، فيقبض عليه. ففهِمها القاهر، وكرَّر ابن مُقْلَة الطّلب بأن يدخل ابن بُلَيْق ليقبّل يده ويسير. فاسترابَ القاهرُ، وراسل الغلمان الحجريّة وفرَّقهم على الدّركاه، وراح ابن بُلَيْق إلى القاهر في عددٍ يسير، فقام إليه السّاجيّة وشتموه، فهرب واستتر، واضطّرب النّاسُ، وأصبحوا في مُسْتَهَلّ شعبان قلقين. وجاء بُلَيْق إلى دار الخليفة ليعتذر عن ابنِه، فقُبِضَ عليه وعلى أحمد بن زَيْرك، وعلى يُمْن المؤنسي صاحب شرطة بغداد وحُبِسوا وصار الجيش كلّه في دار الخليفة، فراسل مؤْنساً وقال: أنتَ عندي كالوالد، فأْتِني تُشير عليّ. فاعتذرَ بثقل الحركة. ثم أشاروا عليه بالإتيَان، فلمّا حصل في دار الخلافة قُبِض عليه، فاختفى ابن مُقْلة، فاستوزرَ القاهر أبا جعفر محمد بن القاسم بن عُبَيْد الله. وأُحْرِقت دار ابن مقلة، كما أُحْرِقت قبلَ هذه المرّة. وهرب محمد بن ياقوت إلى فارس، فكتب إليه بعهده على أصبهان، وقلَّدَ سلامة الطولوني الحجابة. وقبضَ على أبي أحمد ابن المكتفي وطيّن عليه بين حائطين، ونهبَ القاهر دُور المخالفين.
ثمّ إنّه ظَفَرَ بعلي بن بُلَيْق بعد جمعة، فحبسه بعد الضَّرْب، فاضطرب رجال مؤْنس وشغبوا، وقصدوا دار الوزير محمد بن القاسم وأحرقوا بعض داره في ثامن عشر شعبان. فدخل القاهر إلى مؤنس وبُلَيْق وابنه، فأمر بذبح بُلَيْق وابنه، وذَبَح بعدهما مؤْنساً، وأُخرجت رؤوسهم إلى النّاس وطِيْفَ بها. وكان على مؤْنس دماغٌ هائل. ثمْ ذُبح يُمن وابن زَيْرك. ثم أطلقت أرزاق الجُنْد فسكنوا.
واستقامت الأمور للقاهر، وعظم في القلوب، وزيد في ألقابه: المنتقم مِن أعداء دين الله. ونقش ذلك على السّكّة ثمَ أحضر عيسى الطّبيب مِن الموصل. وأمَرَ أنْ لا يركب في طيّار سوى الوزير والحاجب، والقاضي، وعيسى الطّبيب.
وفيها: خلع القاهر على أحمد بن كَيْغَلَغ، وقلّده مصرَ.