كانت بارعةً الجمال، ذات رأي ودهاء وعقل. ونالت من السّعادة ما لم ينلها أحدٌ من نساء زمانها، وكان الملك الصّالح يحبّها ويعتمد عليها، ولما توفّي على دِمياط أخفت موته، وكانت تعلّم بخطّها مثل علامته وتقول: السّلطان ما هو طيّبٌ. وتمنعهم من الدّخول إليه، وكانت الأمراء والخاصكيّة يحترمونها ويُطيعونها، وملّكوها عليهم أيّاماً. وتسلطنت وخُطب لها على المنابر إثر قتْل السّلطان الملك المعظَّم ابن الصّالح. ثم إنها عزلت نفسها، وأقيم في السلطنة الملك الأشرف ومعه المعز أيبك، ثم تزوّج بها المُعزّ، واستولت عليه، وأشارت عليه بقتل الفارس أقطايا فقتله. ثم غارت منه لمّا خطب بنت لؤلؤ صاحب الموْصل فقتلتْهُ في الحمّام، وقتلت وزيرها القاضي الأسعد.
قال شيخنا قطب الدّين: كان الصّالح يحبّها كثيراً، وكانت في صُحبته لمّا اعتقل بالكرك، وولدت له هناك الأمير خليلا، ومات صبيّاً. ولمّا قُتل المعظَّم ملّكت الدّيار المصريّة وخُطب لها على المنابر. وكانت تعلّم على المناشير وتكتب: والدة خليل. وبقيت على ذلك ثلاثة أشهر، ثمَّ استقرّت السّلطنة للأشرف. ثمّ تزوّجها المُعزّ، فكانت مستولية عليه ليس له معها كلام، وكانت تركيّة، ذات شهامة وقوّة نفس، وقيل: إنّ المُعزّ ملّ من احتجارها عليه واستطالِتها، ورُبّما عزم على إهلاكها، فقتلته. فأخذها مماليكه بعد أن آمنوها فاعتقلوها في برج، والملك المنصور ابن المُعزّ التّركماني وأمّه يحرّضان على قتلها. فلمّا كانت بُكْرة يوم السّبت حادي عشر ربيع الآخر ألقيت تحت قلعة مصر مقتولة مسلوبةً، ثمّ حُملت إلى تُربة بنتها لها بقرب تُربة السّيّدة نفيسة. وكان الصّاحب بهاء الدّين ابن حِنّا قد وزر لها. ولمّا قتلت المُعزّ وتيقّنت أنّها مقتولة أودعت جملةً من المال فذهب، وأعدمت جواهر نفيسة كسرتها في الهاون.