ويبين خطأهم، ويدقق عليهم المسائل، فما ترى؟ قال: لست أرى الكلام في شيء من هذه الأهواء، ولا أرى لأحد أن يناظرهم. أليس قال معاوية بن قرة: الخصومات تحبط الأعمال. والكلام رديء لا يدعو إلى خير. تجنبوا أهل الجدال والكلام، وعليكم بالسنن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم، فإنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل البدع. وإنما السلامة في ترك هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات.
وقال: إذا رأيتم من يحب الكلام فاحذروه.
قال ابن أبي داود: حدثنا موسى أبو عمران الأصبهاني قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تجالس أصحاب الكلام، وإن ذبوا عن السنة.
وقال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما زال الكلام عند أهل الخير مذموما.
قلت: ذم الكلام وتعلمه قد جاء من طرق كثيرة عن الإمام أحمد، وغيره.
[فصل في سيرته]
قال الخلال: قلت لزهير بن صالح بن أحمد: هل رأيت جدك؟ قال: نعم، مات وقد دخلت في عشر سنين. كنا ندخل إليه كل يوم جمعة أنا وأخواتي، وكان بيننا وبينه باب. وكان يكتب لكل واحد منا حبتين حبتين من فضة في رقعة إلى فامي يعامله، فنأخذ منه الحبتين، وتأخذ الأخوات. وكان ربما مررت به وهو قاعد في الشمس، وظهره مكشوف، وأثر الضرب بين في ظهره. وكان لي أخ أصغر مني اسمه علي، فأراد أبي أن يختنه، فاتخذ له طعاما كثيرا، ودعا قوما، فلما أراد أن يختنه وجه إليه جدي، فقال له: بلغني ما أحدثته لهذا الأمر، وقد بلغني أنك أسرفت، فابدأ بالفقراء والضعفاء فأطعمهم، فلما أن كان من الغد، وأحضر الحجام أهلنا، فجاء جدي حتى جلس في الموضع الذي فيه الصبي، وأخرج صريرة فدفعها إلى الحجام، وصريرة دفعها إلى الصبي، وقام فدخل منزله. فنظر الحجام في الصريرة فإذا درهم واحد. وكنا قد رفعنا كثيرا مما افترش، وكان الصبي على مصطبة مرتفعة على شيء من الثياب الملونة، فلم ينكر ذلك. وقدم علينا من خراسان ابن خالة جدي، فنزل على أبي، وكان يكنى بأبي أحمد، فدخلت معه إلى جدي،