للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بليدة من أعمال خلاط. وكان السلطان ألب أرسلان بخوي من أعمال أذربيجان قد عاد من حلب، فبلغه كثرة جموعهم وليس معه من عساكره إلا خمسة عشر ألف فارس، فقصدهم وقال: أنا ألتقيهم صابراً محتسباً، فإن سلمت فبنعمة الله، وإن كانت الشهادة فابني ملكشاه ولي عهدي.

فوقعت مقدمته على مقدمة أرمانوس فانهزموا وأسر المسلمون مقدمهم، فأحضر إلى السلطان فجدع أنفه، فلما تقارب الجمعان أرسل السلطان يطلب المهادنة، فقال أرمانوس: لا هدنة إلا بالري. فانزعج السلطان فقال له إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان. وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح. فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين.

فلما كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا فأمنوا، فقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما هاهنا سلطان يأمر ولا ينهى. وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنط، وقال: إن قتلت فهذا كفني، وزحف إلى الروم، وزحفوا إليه، فلما قاربهم ترجل وعفر وجهه على التراب، وبكى، وأكثر الدعاء، ثم ركب وحمل الجيش معه، فحصل المسلمون في وسطهم، فقتلوا في الروم كيف شاؤوا، وأنزل الله نصره، وانهزمت الروم، وقتل منهم ما لا يحصى، حتى امتلأت الأرض بالقتلى، وأسر ملك الروم، أسره غلام لكوهرايين فأراد قتله ولم يعرفه، فقال له خدم مع الملك: لا تقتله فإنه الملك.

وكان هذا الغلام قد عرضه كوهرايين على نظام الملك، فرده استحقاراً له، فأثنى عليه أستاذه عند نظام الملك، فقال نظام الملك: عسى يأتينا بملك الروم أسيراً. فكان كذلك.

ولما أحضره إلى بين يدي السلطان ألب أرسلان ضربه ثلاث مقارع بيده وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت؟ فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد. قال: ما كان عزمك أن تفعل بي لو أسرتني؟ قال: أفعل القبيح. قال: فما تظن أنني أفعل بك؟ قال: إما أن تقتلني، وإما أن تشهرني في بلادك، والأخرى بعيدة، وهي العفو، وبذل الأموال، واصطناعي. قال له: ما عزمت على غير هذه. ففدى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن ينفذ إليه عسكره كلما طلبه، وأن يطلق كل أسير في مملكته. وأنزله

<<  <  ج: ص:  >  >>