قال أبو المظفر: فذهبت ثاني يوم إلى موضع المصاف، فوجدتهم يعدون القتلى، فقالوا: هم زيادة على ثلاثين ألفاً. وبعث الخوارزميون بالأسارى وبالرؤوس إلى مصر. ووصل المنصور في نفر يسير، ونهبت خزانته وخيله، وقتل أصحابه. وجعل يبكي ويقول: قد علمت أنا لما سرنا تحت صلبان الفرنج أننا لا نفلح.
ثم جهز الملك الصالح معين الدين ابن الشيخ في العساكر لحصار دمشق، ودخلت الأسارى القاهرة وملئت الحبوس بهم، وخذل الصالح إسماعيل وأخذ يتهيأ للحصار، وخرب أرباعاً عظيمة حول البلد، والله المستعان.
وفيها ورد كتاب بدر الدين صاحب الموصل يقول فيه: إنني قررت على أهل الشام قطيعةً في كل سنة عشرة دراهم على الغني، وعلى الوسط خمسة دراهم، وعلى الفقير درهم. وقرأ القاضي محيي الدين ابن الزكي الكتاب على الناس وشرعوا في الجباية.
قلت: أظن هذا مصالحة عنهم للتتار؛ فإن سعد الدين ذكر في تاريخه أن في آخر سنة إحدى وأربعين وصل رسول قاآن إلى صاحب ميافارقين وطلب الدخول في طاعته، وأن في المحرم سنة اثنتين جهز صاحب ميافارقين رسل التتار بهدية عظيمة. وأن في أواخر المحرم أخذت التتار خلاط وعبروا إلى بدليس، فأتيت مع الملك المظفر إلى حصن كيفا.
ثم نفذ إلى ميافارقين جهز أمه وزوجته وما خف معهما من جواهر ومصاغ، فطلعوا إلى حصن كيفا عند المعظم ولد الملك الصالح. وطلب المظفر ولده الملك السعيد، وكان شاباً مليحاً، شجاعاً، كريماً، فقال: تعود إلى ميافارقين وتجمع الناس والعسكر لقتال التتر، وأنا فأمضي إلى مصر أو إلى بغداد لجمع الجيوش واستنفار الناس. فأبى وقال: ما أفارق خدمة السلطان. فضربه ابن عمه بسكين قتله وقتلوه بعده في الحال.
ثم سار المظفر - وأنا معه - إلى نصيبين ثم إلى ماكسين، وأخذنا على بلاد الخابور. ثم سرنا إلى عانة، ثم عدنا إلى