للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم حملهم وهو يعلم قصدهم. ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور. ثم انتفض وتغير، وقال: وعزتك لا أدعو على خلقك بعد هذا. ثم دعاه أمير مصر وسأله عن اعتقاده فتكلم، فرضي أمره، وكتب به إلى المتوكل، فأمر بإحضاره، فحمل على البريد. فلما سمع كلامه ولع به وأحبه وأكرمه، حتى كان إذا ذكر الصلحاء يقول: إذا ذكر الصالحون فحي هلا بذي النون.

وقال علي بن حاتم: سمعت ذا النون يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.

وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: مهما تصور في وهمك، فالله بخلاف ذلك. وقال: سمعت ذا النون يقول: الاستغفار اسم جامع لمعان كثيرة، أولهن: الندم على ما مضى، والثاني: العزم على ترك الرجوع، والثالث: أداء كل فرض ضيعته فيما بينك وبين الله، والرابع: رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها، والخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام، والسادس: إذاقة البدن ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية.

وعن عمرو بن السرح قال: قلت لذي النون كيف خلصت من المتوكل وقد أمر بقتلك؟ قال: لما أوصلني الغلام إلى الستر رفعه ثم قال لي: ادخل. فنظرت فإذا المتوكل في غلالة مكشوف الرأس، وعبيد الله قائم على رأسه متكئ على السيف. فعرفت في وجوه القوم الشر. ففتح لي باب، فقلت في نفسي: يا من ليس في السموات قطرات ولا في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في قلوب الخلائق خطرات إلا وهي عليك دليلات، ولك شاهدات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات. فبالقدرة التي تجير بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد وآل محمد، وأخذت قلبه عني. فقام إلي المتوكل يخطو، حتى اعتنقني، ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض. إن تشأ تقيم عندنا فأقم، وإن تشأ أن تنصرف فانصرف. فاخترت الانصراف.

وقال يوسف بن الحسين: حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل، وكان مولعا به يفضله على العباد والزهاد، فقال له يوما: يا أبا الفيض صف لي أولياء الله. قال: يا أمير المؤمنين، هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته،

<<  <  ج: ص:  >  >>