للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُدرك منهم، وأسهل القتل والأسر والسبي على سائر أهلها. وعصت الدِّيوية والإسبتار والأمن في أربعة أبرجة شواهق في وسط البلد، فحُصروا فيها، ثم طلبوا الأمان من الغد، فأمنهم السلطان وسيَّر لهم سنجقاً، فنصبوه على برجهم وفتحوا الباب، فطلع إليهم الأجناد وبعض الأمراء وتعرّضوا لهم بالنَّهب وأخذ النساء، فغلق الفرنج الأبواب ورموا السنجق، وقتلوا طائفة من الجند، وقتلوا الأمير آقبغا المنصوري. وعاودهم الحصار، ونزل إسبتار الأمن بالأمان على يد زين الدين كتبغا الذي تسلطن.

وفي يوم الثالث من الفتح طلب الديوية الأمان وكذا الإسبتار، فأمنهم السلطان وخرجوا، ثم نكث وقتل منهم فوق الألفين وأسر مثلهم وساق إلى باب الدهليز فوق الألف من نسائهم وصبيانهم. فلما رأى من تبقى في أحد الأبرجة ما جرى تحالفوا على الموت، وامتنعوا من قبول الأمان، وقاتلوا أشد قتال، وتخطفوا خمسة من المسلمين ورموهم من أعلى بالبرج، فسلم واحدٌ ومات أربعة. وأُخِذ هذا البرج يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادى الأولى بالأمان، وكان قد نُقب وعلِّق من نواحيه، فلما نزل منه وحول أكثر ما فيه سقط على جماعة من المتفرجين، والذين ينهبون فهلكوا.

ثم عزل السلطان الحريم والولدان، وضرب رقاب الرجال ولم يف لهم وهذا مكافأةً لفعلهم حين أخذوا عكا من السلطان صلاح الدين فإنهم - أعني الفرنج - أمّنوا من بها من المسلمين، ثم غدروا بهم وقتلوا أكثرهم وأسروا الأمراء وباعوهم فسلّط الله على ذرياتهم من انتقم منهم وغدر بهم جزاءً وفاقاً، فيا لله العجب، وأعجب من ذلك أن الفرنج أخذوا عكا في يوم الجمعة سابع عشر شهر في الثالثة من النهار من شهر جمادى الآخرة، كما ذكرناه في سنة سبعٍ وثمانين وخمسمائة، ثم افتتحها المسلمون بعد مائة سنة وثلاث سنين إلا شهر واحد.

وفي سنة سبع وستين وأربعمائة افتتح أمير التُّركمان عكا، ثم عادت الفرنج فملكتها، ثم في سنة اثنتين وثمانين جهزّ أمير الجيوش بدر الجمالي نصير الدولة الجيوش في جيشٍ من مصر فافتتح صور وعكا وصيدا، ونزل على بعلبك، ثم في سنة ستِّ وتسعين وأربعمائة نزل على عكا بغدوين ملك القدس، لعنه الله، فحاصرها، وأخذها بالسيف، فدامت في يد الفرنج إلى أن أخذها السلطان صلاح الدين في سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة، ثم أُخِذت منه

<<  <  ج: ص:  >  >>