للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي يقول: إمامان ما اتَّفق لهما الحجّ: أبو إسحاق، والقاضي أبو عبد الله الدّامغانيّ. أمّا أبو إسحاق فكان فقيرًا، ولكن لو أراد لحملوه على الأعناق، والدّامغانيّ، لو أراد الحجّ على السُّندس والإستبرق لأمكنه.

قال: وسمعت القاضي أبا بكر محمد بن القاسم الشَّهرزوريّ بالموصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا أخطأ أحد بين يديه قال: أيُّ سكتةٍ فاتتك. وكان يتوسوس؛ سمعت عبد الوهّاب الأنماطيّ يقول: كان أبو إسحاق يتوضّأ في الشّطّ، وكان يشكّ في غسل وجهه، حتّى غسّله مرّات، فقال له رجل: يا شيخ، أما تستحي، تغسل وجهك كذا وكذا نوبة؟ فقال له: لو صحّ لي الثّلاث ما زدت عليها.

قال السّمعانيّ: دخل أبو إسحاق يومًا مسجدًا ليتغدّى على عادته، فنسي دينارًا معه وخرج، ثمّ ذكر، فرجع، فوجده، ففكّر في نفسه وقال: ربّما وقع هذا الدّينار من غيري، فلم يأخذه وذهب. وبلغنا أنّ طاهرًا النَّيسابوري خرَّج للشّيخ أبي إسحاق جزءًا، فكان يذكر في أوّل الحديث: أخبرنا أبو عليّ بن شاذان، وفي آخر: أخبرنا الحسن بن أحمد البزّاز، وفي آخر: أخبرنا الحسن بن أبي بكر الفارسي، فقال: من هذا؟ قال: هو ابن شاذان، فقال: ما أريد هذا الجزء. هذا فيه تدليس، والتّدليس أخو الكذب.

وقال القاضي أبو بكر الأنصاريّ: أتيت الشَّيخ أبا إسحاق بفتيا في الطّريق، فناولته الفنيا، فأخذ قلم خبّازٍ ودواته، وكتب لي في الطّريق، ومسح القلم في ثوبه.

قال السّمعانيّ: سمعت جماعةً يقولون: لمّا قدم أبو إسحاق رسولًا إلى نيسابور، تلقّاه النّاس لما قدم، وحمل الإمام أبو المعالي الجوينيّ غاشية فرسه، ومشى بين يديه، وقال: أنا أفتخر بهذا.

وكان عامّة المدرّسين بالعراق والجبال تلامذته وأشياعه وأتباعه، وكفاهم بذلك فخرًا. وكان ينشد الأشعار المليحة ويوردها، ويحفظ منها الكثير.

وصنَّف المهذّب في المذهب، والتّنبيه، واللُّمع في أصول الفقه، وشرح اللُّمع، والمعونة في الجدل، والملخَّص في أصول الفقه، وغير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>