وقال ابن حزم: مسند بقيّ روى فيه عن ألفٍ وثلاثمائة صاحب ونيف، ورتَّب حديث كلّ صاحبٍ على أبواب الفقه، فهو مسند ومصنَّف، وما أعلم هذه الرُّتبة لأحدٍ قبله مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث، وله مصنَّف في فتاوى الصّحابة والتّابعين فمن دونهم، الّذي أربى فيه على مصنف أبي بكر بن أبي شيبة وعلى مصنَّف عبد الرّزّاق، ومصنَّف سعيد بن منصور.
ثمّ ذكر تفسيره وقال: فصارت تصانيف هذا الإمام الفاضل قواعد الإسلام لا نظير لها، وكان متخيّرا لا يقلّد أحدا. وكان ذا خاصّة من أحمد بن حنبل، وجاريا في مضمار البخاريّ، ومسلم، وأبي عبد الرحمن النَّسائيّ.
وقال أبو عبد الملك القرطبيّ في تاريخه: كان بقيّ طولا أقنى، ذا لحية، مضبَّرا، قويا، جلدا على المشي، لم ير راكبا دابّةً قطّ، وكان ملازما لحضور الجنائز، متواضعا. وكان يقول: إنّي لأعرف رجلا كان يمضي عليه الأيّام في وقت طلبه العلم، ليس له عيش إلاّ ورق الكرنب الذي يرمى، وسمعت من كلّ من سمعت منه في البلدان ماشيا إليهم على قدميّ.
قلت: وهم من قال إنّه توفّي سنة ثلاثٍ، بل توفّي سنة ستَّ وسبعين كما تقدَّم.
قال ابن لبابة: كان بقيّ من عقلاء النّاس وأفاضلهم، وكان أسلم بن عبد العزيز يقدّمه على جميع من لقيه بالمشرق، ويصف زهده، ويقول: ربّما كنت أمشي معه في أزقة قرطبة، فإذا نظر في موضعٍ خالٍ إلى ضعيفٍ محتاجٍ أعطاه أحد ثوبيه.
وذكر أبو عبيدة صاحب القبلة قال: كان بقيّ يختم القرآن كلّ ليلةٍ في ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلّي بالنّهار مائة ركعة، ويصوم الدَّهر، وكان كثير الجهاد، فاضلا؛ يذكر عنه أنّه رابط اثنتين وسبعين غزوة.