وفيها هبت ريح عظيمة بالبصرة، قلعت عامة نخلها، ولم يسمع بمثل ذلك.
وفيها خرج بالشام يحيى بن زكرويه القرمطي، وجمع الأعراب، فقصد دمشق وبها طغج بن جف نائب هارون بن خمارويه، فكانت بينهما حروب، إلى أن قتل في أول سنة تسعين.
وسبب خروجه أن زكرويه بن مهرويه القرمطي لما رأى متابعة الجيوش إلى من بسواد الكوفة وضعف، سعى في استغواء الأعراب الذين بالسواد، فاستجابوا له. وكان طائفة من كلب يخفرون الطريق على السماوة، فيما بين دمشق والكوفة على طريق تدمر. ويحملون الرسل وأمتعة التجار على إبلهم. فأرسل زكرويه أولاده إليهم فبايعوهم، وخالطوهم، وانتسبوا إلى أمير المؤمنين علي، وإلى إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق، فقبلوهم، فدعوهم إلى رأي القرامطة، فلم يقبل منهم إلا طائفة، فبايعوهم. وكان المشار إليه في القرامطة يحيى بن زكرويه أبو القاسم. وذكر لهم أن له بالعراق والشرق مائة ألف تابع، وأن ناقته مأمورة، وأنهم متى اتبعوها في مسيرها ظفروا، فقصدوا الرصافة، التي هي غربي الفرات، فقتلوا أميرها، وأكثروا الفساد.
وفيها كانت وقعة بين جيش إسماعيل بن أحمد، وبين محمد بن هارون على باب الري. وكان محمد في مائة ألف، فكانت الدبرة عليه، فانهزم إلى الديلم في ألف رجل، فاستجار بهم.
وفيها قويت أمور أبي عبد الله الشيعي بالمغرب، فصنع صاحب إفريقية صنع محمد بن يعفر ملك اليمن، فانسلخ من الإمارة، وأظهر توبة، ولبس الصوف، ورد المظالم، وخرج إلى الروم غازياً. فقام بعده ابنه أبو العباس.
وكان خروج إبراهيم بن أحمد صاحب إفريقية منها وركوبه البحر سنة تسع وثمانين، فوصل إلى صقلية، ومنها إلى طبرمين، فافتتحها في شعبان، ثم حاصر كنيسة، فمرض عليها بإسهال، ومات في ذي القعدة. وكانت ولايته ثمانية وعشرين عاماً ونصفا، ودفن بصقلية.
واشتهر أمر أبي عبد الله بأرض كتامة، وسمي المشرقي لقدومه من المشرق. فكان إذا بايعه الواحد قيل: تشرق، وتسارع المغاربة إليه. ولما استفاضت دعوة المهدي كثر الطلب عليه من العراق والشام، فسار متنكراً من سلمية، ثم إلى الرملة، ثم مصر، ومعه ولده محمد صبي، وأبو العباس أخو الداعي