ثم تحول إلى شرق الأندلس، وسكن دانية، وبلنسية، وشاطبة وبها توفي.
وذكر غير واحد أن أبا عمر ولي القضاء بأشبولة في دولة المظفر بن الأفطس مدة.
وقد سمع سنن أبي داود عالياً من ابن عبد المؤمن، بسماعه من ابن داسة. وسمع منه فوائد عن إسماعيل الصفار، وغيره. وقرأ كتاب الزعفراني على ابن ضيفون، بسماعه من ابن الأعرابي، عنه. وسمع ابن عبد البر من جماعة حدثوه، عن قاسم بن أصبغ.
وكان مع إمامته وجلالته أعلى أهل الأندلس إسناداً في وقته.
روى عنه أبو العباس الدلائي، وأبو محمد بن أبي قحافة، وأبو الحسن بن مفوز، وأبو عبد الله الحميدي، وأبو علي الغساني، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن فتوح الأنصاري، وطائفة سواهم، وأبو داود سليمان بن نجاح المقرئ وقال: توفي ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر، ودفن يوم الجمعة بعد العصر.
قلت: استكمل رحمه الله خمساً وتسعين سنة وخمسة أيام.
وقال شيخنا أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح، ومن خطه نقلت: كان أبو عمر بن عبد البر أعلم من بالأندلس في السنن والآثار واختلاف علماء الأمصار. وكان في أول زمانه ظاهري المذهب مدة طويلة، ثم رجع عن ذلك إلى القول بالقياس من غير تقليد أحد، إلا أنه كان كثيراً ما يميل إلى مذهب الشافعي.
قلت: وجميع شيوخه الذين حمل عنهم لا يبلغون سبعين نفساً، ولا رحل في الحديث، ومع هذا فما هو بدون الخطيب، ولا البيهقي ولا ابن حزم في كثرة الاطلاع، بل قد يكون عنده ما ليس عندهم مع الصدق والديانة والتثبت وحسن الاعتقاد.
قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، لم يخرج من الأندلس، وكان يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي.