قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرقوا بينه وبين خلقه، وذلك أنهم ساووا بين الله وبين خلقه، وبين ما أنزل من القرآن. فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه. وقد قال تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} فكل ما جعله الله فقد خلقه كما قال: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} وقال: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها. وقال:{أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} والله محكم كتابه ومفصله، فهو خالقه ومبتدعه. ثم انتسبوا إلى السنة، وأنهم أهل الحق والجماعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر. فاستطالوا بذلك وغروا به الجهال، حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم، فنزعوا الحق إلى باطلهم، واتخذوا دون الله وليجة إلى ضلالهم، إلى أن قال: فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة، المنقوصون من التوحيد حظا، أوعية الجهالة وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق في أوليائه، والهائل على أعدائه من أهل دين الله، وأحق أن يتهم في صدقه، وتطرح شهادته، ولا يوثق به، من عمي عن رشده وحظه من الإيمان بالتوحيد، وكان عما سوى ذلك أعمى وأضل سبيلا.
ولعمر أمير المؤمنين، إن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه. وتخرص الباطل، ولم يعرف الله حقيقة معرفته. فاجمع من بحضرتك من القضاة، فاقرأ عليهم كتابنا وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عما يعتقدون في خلق الله وإحداثه. وأعلمهم أني غير مستعين في عملٍ ولا واثق بمن لا يوثق بدينه. فإذا أقروا بذلك ووافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق. واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك.
وكتب المأمون إليه أيضا في أشخاص سبعة أنفس، وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدورقي. فأشخصوا إليه، فامتحنهم بخلق القرآن فأجابوه، فردهم من الرقة إلى بغداد، وسبب طلبهم أنهم توقفوا أولا، ثم أجابوه تقيةً. وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يحضر الفقهاء ومشايخ الحديث ويخبرهم بما أجاب به هؤلاء