فيها عزل عن الوزارة ببغداد أبو شجاع بعميد الدّولة بن جهير وأمر بلزوم داره، فتمثل عن نفسه بقول الشاعر:
تولاها وليس له عدو وفارقها وليس له صديق وفيها استولى أمير المسلمين يوسف على بلاد الأندلس قرطبة، وإشبيلية، وسجن ابن عباد، وفعل في حقه ما لا ينبغي لملك، فإن الملوك إما أن يقتلوا، وإما أن يسجنوا، ويقرر لذلك المحبوس راتب يليق به، وهذا لم يفعل ذلك، بل استولى على جميع مملكته وذخائره، وسجنه بأغمات، ولم يجر على أولاده ما يكفيهم، فكن بنات المعتمد بن عباد يغزلن بالأجرة، وينفقن على أنفسهن، فأبان أمير المسلمين بهذا عن صغر نفس، ولؤم طبع.
واتسعت ممكلته واستولى على المغرب وكثير من إقليم الأندلس، وترك كثيراً من جيوشه بثغور الأندلس، وطاب لهم الخصب والرفاهية، واستراحوا من جبال البربر وعيشها القشب، ولقبهم بالمرابطين. وسالمه المستعين بالله ابن هود صاحب شرق الأندلس، وكان يبعث إليه بالتحف. وكان هو وأجناده ممن يضرب بهم المثل في الشجاعة، فلما احتضر يوسف بن تاشفين أوصى ولده علياً ببني هود وقال: اتركهم بينك وبين العدو، فإنهم شجعان.
وفيها استولت الفرنج على جميع جزيرة صقلية، وأول ما فتحها المسلمون بعد المائتين، وحكم عليها آل الأغلب دهراً، إلى أن استولى المهدي العبيدي على الغرب، وكان العزيز العبيدي صاحب مصر قد استعمل عليها الأمير أبا الفتوح يوسف بن عبد الله فأصابه فالج، فاستناب ولده جعفراً فضبط الجزيرة، وأحسن السيرة إلى سنة خمس وأربعمائة، فخرج عليه أخوه علي في جمع من البربر والعبيد، فالتقوا فقتل خلق من البربر والعبيد، وأسر علي، وقتله أخوه، فعظم قتله على أبيه وهو مفلوج، وأمر جعفر بنفي كل بربري بالجزيرة، فطردوا إلى إفريقيّة، وقتلوا سائر العبيد، واستخدم له جنداً من أهل البلد، فاختلف عسكره، ولم تمض إلا أيام حتّى أخرجوه وخلعوه، وأرادوا قتله. وكان ظلوماً لهم، عسوفاً، فعملوا حسبته، وحصروه في قصره سنة عشر وأربعمائة، فخرج إليهم أبوه أبو الفتوح في محفة، فرقوا لحاله،