للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا - استيعاب المؤلفات السابقة:

إن اتساع النطاقين الزماني والمكاني لكتاب الذهبي، واحتواءه على الحوادث والتراجم، وضع أمامه جميع التراث التاريخي الإسلامي بأوسع مفاهيمه (١)، منذ بدايته حتى نهاية القرن السابع الهجري، وهو تراث هائل وغني قد مر بعصور ازدهار التأليف عند المسلمين الذين تفننوا في تنويعه وإثرائه سواء أكان ذلك في الأشكال التنظيمية المتعددة التي عرضوه بها، أم بالمادة المتنوعة التي احتوتها تلك المؤلفات (٢). ولذلك لم يكن من السهولة مطلقًا الوقوف عليه واستيعابه، فهو يحتاج إلى وقت طويل وجهد جهيد في وقت لم يكن الحصول فيه على الكتب من الأمور السهلة الميسرة دائمًا، فعلى الرغم من وجود الكثير من الكتب والأجزاء الموقوفة في الجوامع والمدارس ودور العلم وخزائن الكتب، إلا أن الحصول على نسخة من الكتاب في البيت كان من الصعوبة بمكان فهو يكلف مالًا ووقتًا في عصر كانت فيه الجهود العلمية فردية لا تدعمها المؤسسات، ولم يكن العلم حرفة يعيش منها العالم، بل كان في الأغلب الأعم من باب التدين والهواية.

وقد تمكن الذهبي أن يستوعب مئات المؤلفات الجيدة ويفيد منها في كتابه كأحسن ما تكون الإفادة. وقد ساعده على ذلك انصرافه التام إلى العلم، وذكاؤه وقوة حافظته، وقيامه باختصار عدد كبير من المؤلفات الرئيسة السابقة، واستعماله الجزازات (٣) في جمع هذه المادة الضخمة.


(١) لما كان الذهبي قد راعى في كتابه الشمول النوعي في التراجم لذلك تحتم عليه شمول الموارد المعنية بهم، وبذلك وسع المفهوم التاريخي للموارد التي اعتمدها.
(٢) إن نظرة واحدة إلى ما وصل إلينا من أسماء الكتب المؤلفة في النطاق المكاني والزماني والنوعي الذي احتواه كتاب "تاريخ الإسلام" توضح ضخامة مثل هذا التراث وتنوعه.
(٣) كان استعمال الجزازات شائعًا في عصر الذهبي، ولم يكن العلماء المسلمون يستنكفون عن ذى الجزازات التي كانوا يدونون عليها نقولهم عن الكتب الأخرى وملاحظاتهم (انظر روزنتال: مناهج، ص ٢٤ فما بعد) وكان زكي الدين المنذري المتوفى سنة ٦٥٦ هـ قد وجد كتاب "معجم السفر" لأبي طاهر السلفي "ت ٧٦ في هـ" في جزازات، كل ترجمة في جزازة فبيضها ورتبها كما تجيء لا كما يجب (السخاوي: الإعلان، ص ٥٩٢) وقد وصل الكتاب إلينا بهذا الشكل (في خزانة كتبي نسخة مصورة منه، وانظر مقدمتنا لمشيخة النعال البغدادي، ص ١٥). وقد وصلت إلينا الكثير من الجزازات التي كتبها الذهبي =

<<  <  ج: ص:  >  >>