وفي رجب أدار الملك المعظم المكوس والخمور وما كان أبوه أبطله، فقيل: إنه ضمن الخمر بدمشق والخنا بثلاثمائة ألف درهم. قال أبو المظفر: فقلت له: قد خلفت سيف الدين غازي ابن أخي نور الدين، فإنه كذا فعل لما مات نور الدين. فاعتذر بقلة المال ودفع الفرنج، ثم سار إلى بانياس، وراسل الصارم متولي تبنين، بأن يسلم الحصون، فأجابه، وخرب بانياس وتبنين، وقد كانت قفلاً للبلاد وملجأ للعباد، وأعطى جميع التي كانت لسركس لأخيه العزيز عثمان، وزوجه بابنة سركس، وأظهر أنه ما خرب هذا إلا خوفاً من استيلاء الفرنج.
وبعث الكامل إليه يستنجد به، وعدى الفرنج دمياط، فأخلى لهم العساكر الخيام فطمعوا، ثم عاد عليهم الكامل فطحنهم وقتل خلقاً، فعادوا إلى دمياط.
وفيها توفي صاحب الروم كيكاوس، وكان ظالماً، فاتكاً، جباراً فاسقاً.
وفيها توفي الملك القاهر عز الدين مسعود بن رسلان بن مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صاحب الموصل، مسموماً فيما قيل، وترك ابنه محموداً وهو صغير، فأخرج الأمير بدرُ الدين لؤلؤ أخا القاهر زنكياً من الموصل، ثم استولى عليها، وتسمى بالملك الرحيم، وقيل: إنه أدخل محموداً حماماً حامياً حتى اشتد كربه، فاستغاث: اسقوني ماء، ثم اقتلوني، فسقوه، ثم خنق.
وفيها عاد السلطان خوارزم شاه محمد إلى نيسابور، وأقام بها مدة، وقد بلغه أن التتار، خذلهم الله تعالى، قاصدون مملكة ما وراء النهر، وجاءه من جنكس خان رسلٌ وهو محمود الخوارزمي، وخواجا علي البخاري، ومعهم من طرف هدايا الترك من المسك وغيره، والرسالة تشتمل على التهنئة بسلامة خوارزم شاه، ويطلب منه المسالمة والهدنة، وقال: إن الخان الأعظم يسلم عليك ويقول: ليس يخفى علي عظم شأنك، وما بلغت من سُلطانك، ونفوذ حكمك على الأقاليم، وأنا أرى مسالمتك من جملة الواجبات، وأنت عندي