رعى الله قبرين استكانا ببلدةٍ هما أسكناها في السّواد من القلب لئن غيَّباً عن ناظري وتبوَّءا فؤادي لقد زاد التباعد في القرب يقرُّ بعيني أن أزور رباهما وألزق مكنون التّرائب بالتُّرب وأبكي، وأبكي ساكنيها لعلّني سأنجد من صحبٍ وأسعد من سحب فما ساعدت ورق الحمام أخا أسى ولا روَّحت ريح الصَّبا عن أخي كرب ولا استعذبت عيناي بعدهما كرى ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب أحنُّ ويثني اليأس نفسي على الأسى كما اضطُّرّ محمولٌ على المركب الصَّعب وله:
إلهي، قد أفنيت عمري بطالةً ولم يثنني عنها وعيدٌ ولا وعد وضيَّعته ستّين عاماً أعدُّها وما خير عمر إنّما خيره العدُّ وقدّمت إخواني وأهلي، فأصبحوا تضمُّهم أرضٌ ويسترهم لحد وجاء نذير الشّيب لو كنت سامعاً لوعظ نذير ليسٍ من سمعه بدُّ تلبّست بالدّنيا، فلمّا تنكّرت تمنيّت زهداً حين لا يمكن الزُّهد وتابعت نفسي في هواها وغيهِّا وأعرضت عن رشدي وقد أمكن الجهد ولم آت ما قدّمته عن جهالةٍ فيمكنني عذرٌ ولا ينفع الجحد وها أنا من ورد الحمام على مدى أراقب أن أمشي إليه وأن أعدو ولم يبق إلاّ ساعة إن أضعتها فما لك في التّوفيق نقدٌ ولا وعد قال ابن سكَّرة: توفّي بالمريّة لتسع عشرة ليلة خلت من رجب.
ذكره ابن السّمعانيّ، وقال: باجة بين إشبيلية وشنترين من الأندلس.
وذكر ابن عساكر في تاريخه: أنّ أبا الوليد قال: كان أبي من باجة القيروان تاجراً، كان يختلف إلى الأندلس. وهذا أصحّ.
١١٩ - العبّاس بن محمد بن عبد الواحد بن العبّاس، أبو الفضل الرّارانيّ.