وولي أولا قضاء بطليوس، ثم صرف، وولي خطابة مدينة الزهراء. ثم ولي القضاء والخطبة بقرطبة مع الوزارة. ثم صرف عن جميع ذلك ولزم بيته. ثم ولي قضاء الجماعة والخطبة سنة تسع عشرة وأربعمائة، فبقي قاضيا إلى أنّ مات.
قال صاحبه أبو عمر بن مهدي: كان من أهل العلم بالحديث والفقه، كثير الرواية، وافر الحظ من العربية واللغة، قائلا للشعر النفيس، بليغا في خطبه، كثير الخشوع فيها، لا يتمالك من سمعه عن البكاء، مع الزهد والفضل والقنوع باليسير. ما لقيت في شيوخنا من يضاهيه في جميع أحواله. كنت إذا ذاكرته شيئا من أمر الآخرة يصفر وجهه ويدافع البكاء، وربما غلبه، وكان الدمع قد أثر في عينيه وغيرها لكثرة بكائه، وكان النور بادياُ على وجهه. وصحب الصالحين، وما رأيت أحفظ منه لأخبارهم وحكاياتهم.
صنف كتاب المنقطعين إلى الله، وكتاب التسلي عن الدنيا، وكتاب فضل المتهجدين، وكتاب التسبب والتيسير، وكتاب محبة الله والابتهاج بها، وكتاب المستصرخين بالله عند نزول البلاء.
روى عنه مكي بن أبي طالب القيسي، وأبو عبد الله بن عائذ، وأبو عمرو الداني، وأبو عمر بن عبد البر، ومحمد بن عتاب، وأبو عمر ابن الحذاء، وأبو محمد بن حزم، وأبو الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبو عبد الله الخولاني، وحاتم بن محمد، ومحمد بن فرج مولى ابن الطلاع، وخلق سواهم، ودفن يوم الجمعة العصر لليلتين بقيتا من رجب، وشيعه خلق عظيم، وكان وقت دفنه غيث وابل، رحمه الله.
ومن شعره:
فررت إليكَ من ظُلمي لنفسي وأوحشني العبادُ فأنتَ أنسي رضاكَ هو المنى، وبكَ افتخاري وذكرك في الدُّجى قَمَري وشمسي قصدت إليك منقطعا غريب لتُؤنسَ وحدتي في قعر رمْسي وللعظمى من الحاجاتِ عندي قصدتَ وأنتَ تعالمُ سرَّ نفسي