قال أبو المظفَّر ابن الجوزي: خيَّم السّلطان على ساحل البحيرة في اثني عشر ألفًا من الفُرسان سوى الرّجّالة، وخرج الفرنج من عكّا، فلم يدعوا بها محتلِمًا. فنزلوا صفورية، وتقدَّم السّلطان إلى طبرية، فنصب عليها المجانيق، وافتتحها في ربيع الآخر، وتقدمت الفرنج فنزلوا لوبية من الغد، وملك المسلمون عليهم الماء، وكان يومًا حارًّا. والتهب الغور عليهم، وأضرم مظفَّر الدّين النّارَ في الزُّروع، وأحاط بهم المسلمون طول الليل، فلمّا طلع الفجر قاتلوا إلى الظُّهر، وصعدوا إلى تل حطين والنار تُضرَم حولهم، وساق القومُّص على حمِيَّة وحرق، وصعد إلى صفد، وعملت السيوف في الفرنج، وأسر من الملوك جماعة، وجيء بصليب الصَّلَبُوت إلى السّلطان، وهو مرصَّع بالجواهر واليواقيت في غلافٍ من ذهب. فأُسرَ ملك الفرنج درباسُ الكُرديّ، وأسر إبرنس الكرك إبراهيم غلام المهرانيّ.
قال: واستدعاهم السّلطان، فجلس الملك عن يمينه، ويليه إبرنس الكرك، فنظر السّلطان إلى الملك وهو يَلهَث عطشًا، فأمر له بماءٍ وثلج، فشرب وسقى البرنس، فقال السّلطان: ما أذِنتُ لك في سقيه. والتفت إلى البرنس فقال: يا ملعون يا غدّار، حَلَفت ونكثت. وجعل يعدد عليه غدراته، ثم قام إليه فضربه حلَّ كتفه، وتمَّمه المماليك، فطار عقل الملك، فأمنه السّلطان وقال: هذا كلب غَدَر غير مرَّة.
إلى أن قال: وأبيعت الأسارى بثمنٍ بخسٍ، حتى باع فقيرٌ أسيرًا بنَعل، فقيل له في ذلك فقال: أردتُ إهانتهم، ودخل القاضي ابن أبي عصرون دمشقَ وصليب الصَّلَب وت منكّسًا بين يديه، وعاد السّلطان إلى طبرية، وآمن صاحبتها، فخرجت بأموالها إلى عكّا. وأمّا القومُّص فسار من صفد إلى طرابُلسَ فمات بها، فقيل: مات من جراحاتٍ أصابته. وقيل: إنّ امرأته سمّته.
قال القاضي جمال الدّين ابن واصل: اجتمعت الجحافل على رأس الماء عند الملك الأفضل ابن السّلطان، وتأخرت العساكر الحلبيّة لانشغالها