للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرضيةٍ.

وسير إليه خوارزم شاه يلتمس منه سراويل الفتوة، فسيره إليه مع أموال جمة وتحف. وفيما سير إليه فرس النوبة، فسر بذلك وابتهج، وقبل الأرض مراتٍ شكراً لله على هذه المنزلة التي رزقها وحرمها أبوه، ثم إنه أذعن بالعبودية والطاعة.

وقال ابن واصل: بنى المستنصر على دجلة من الجانب الشرقي مما يلي دار الخلافة مدرسة ما بني على وجه الأرض أحسن منها ولا أكثر وقفاً، وهي بأربعة مدرسين على المذاهب الأربعة. وعمل فيها بيمارستاناً كبيراً، ورتب فيها مطبخاً للفقهاء، ومزملة للماء البارد.

ورتب لبيوت الفقهاء الحصر، والبسط، والفحم، والأطعمة، والورق، والحبر، والزيت، وغير ذلك. وللفقيه - بعد ذلك - في الشهر ديناران، ورتب لهم حماماً، ورتب لهم بالحمام قومةً. وهذا ما سبق إليه.

وللمدرسة شبابيك على دجلة. وللخليفة منظرةٌ مطلةٌ على المدرسة يحضر فيها الخليفة، ويسمع الدرس.

إلى أن قال: واستخدم عساكر عظيمةً لم يستخدم مثلها أبوه ولا جده، وكانت تزيد على مائة ألف وعشرين ألف فارسٍ، وأكثر من ذلك، كذا قال ابن واصل. وكان ذا همة عاليةٍ، وشجاعةٍ وإقدامٍ عظيمٍ.

قصدت التتار البلاد فلقيهم عسكره فهزموا التتار هزيمةً عظيمةً. وكان له أخٌ يقال له: الخفاجي، فيه شهامةٌ زائدةٌ، كان يقول: إن وليت لأعبرن بالعساكر نهر جيحون، وآخذ البلاد من أيدي التتار وأستأصلهم.

فلما مات المستنصر لم ير الدويدار ولا الشرابي تقليد الخفاجي خوفاً منه، وأقاما أبا أحمد للينه وضعف رأيه؛ ليكون لهما الأمر لينفذ الله أمره في عباده. وقد رثاه الناصر داود بقصيدة فائقةٍ مطلعها: أيا رنّة الناعي عبثت بمسمعي وأجّجت نار الحزن ما بين أضلعي وأخرست منّي مقولاً ذا براعةٍ يصوغ أفانين القريض الموشّع نعيت إليّ البأس والجود والحجى فأوقفت آمالي وأجريت أدمعي

<<  <  ج: ص:  >  >>