قال: وبلغنا عنه أن خادماً له أتاه فأخبره أن صياداً أخرج شبكته، وهو يراه، فثقلت، فجذبها، وإذا فيها جراب، فظنه مالاً، ففتحه فإذا فيه آجر، وبين الآجر كف مخضوبة بحناء. فأحضر الجراب. فهال ذلك المعتضد، فأمر الصياد، فعاود طرح الشبكة، فخرج جراب آخر فيه رجل. فقال: معي في بلدي من يقتل إنساناً ويقطع أعضاءه ولا أعلم به؟ ما هذا ملك. فلم يفطر يومه، ثم أحضر ثقة له وأعطاه الجراب وقال: طف به على من يعمل الجرب ببغداد لمن باعه. فغاب الرجل وجاء، فذكر أنه عرف بائعه بسوق يحيى، وأنه اشترى منه عطار جراباً. فذهب إليه فقال: نعم، اشترى مني فلان الهاشمي عشرة جرب، وهو ظالم من أولاد المهدي. وذكر طرفا من أخباره إلى أن قال: يكفيك أنه كان يعشق جارية مغنية لإنسان، فاكتراها منه، وادعى أنها هربت. فلما سمع المعتضد سجد لله شكراً، وأحضر الهاشمي، فأخرج إليه اليد والرجل، فامتقع لونه واعترف. فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية إلى صاحبها، ثم سجن الهاشمي. فيقال إنه قتله.
قال التنوخي: وحدثنا أبو محمد بن سليمان قال: حدثني أبو جعفر بن حمدون؛ قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن حمدون قال: كنت قد حلفت لا أعقل مالاً من القمار، ومهما حصل صرفته في ثمن شمع أو نبيذ أو خدر مغنية. فقمرت المعتضد يوماً سبعين ألفاً، فنهض يصلي سنة العصر، فجلست أفكر وأندم على اليمين، فلما سلم قال: في أي شيء فكرت؟ فما زال بي حتى أخبرته. فقال: وعندك أني أعطيك سبعين ألفاً في القمار؟ قلت له: فتضغوا؟ قال: نعم، قم ولا تفكر في هذا. ثم قام يصلي، فندمت ولمت نفسي لكوني أعلمته، فلما فرغ من صلاته قال: اصدقني عن الفكر الثاني؛ فصدقته. فقال: أما القمار فقد قلت إني ضغوت، ولكن أهب لك من مالي سبعين ألفاً. فقبلت يده وقبضت المال.
وقال ابن المحسن التنوخي، عن أبيه: رأيت المعتضد وعليه قباء أصفر، وكنت صبياً، وكان خرج إلى قتال وصيف بطرسوس.