للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوسواس في الطهارة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: بعثت بالحنيفية السمحة.

قلت: والجواب عنه أنه مأمورٌ بما كان عليه من الوسوسة في الورع بقوله عليه السلام: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. ولولا ارتيابه لما بالغ في شيء، وغلبة الحال حاكمة على العلم من بعض الصالحين، وأيضاً فمن الذي قال: إنه كان يتورع عن الحرام فقط. بل قد يتورع الإنسان عن الحرام، والمشتبهة، والمباح، ولا يوجب ذلك على غيره، بل، ولا على نفسه. وهذا الرجل فكان كبير القدر، له أجران على موافقة السنة، وأجرٌ واحدٌ على ما خالف ذلك، لأنه حريصٌ على ابتغاء مرضاة الله، مجتهد في خلاص نفسه. و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} والله لا يسأل العبد لم لا أكلت كل مباح، بل يسأله لم أكلت الحرام، ويسأله لماذا حرمت على نفسك ما أبحت لك مع علمك بإباحتي له، لا مع جهلك بالإباحة. هذا مع التسليم بأن الورع بالعلم أفضل، وأرفع، وذلك حال الأنبياء صلوات الله عليهم، مع أن لهم فيه شرائع، وطرائق كطريقة سليمان عليه السلام في الملك، والإكثار من مباحات الدنيا، وطريقة عيسى عليه السلام في السياحة، والإعراض عن الدنيا بكل وجه، وكطريقة داود في أمورٍ، وطريقة إبراهيم الخليل في قرى الضيف، وأشرف طرقهم، وأفضلها طريقة نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنها حنيفية إبراهيمية، سمحة، سهلة، برئية من الغلو والتعمق والتنطع. اللهم استعملنا بها، وأمتنا على محبتها، واكفنا الوقيعة في عبادك الصالحين.

فمن مناقب القباري رحمة الله عليه:

قال العلامة ناصر الدّين أبو العباس أحمد ابن المنير الإسكندراني في مناقب القباري رحمة الله عليه، وهي نحوٌ من خمس كراريس، قال: كان الشيخ في مبدئه قد حُبِّب إليه سماع العلم، وبُغض إليه تناول غير ميراثه من أبيه، فلا يذكر منذ عَقَلَ أمره أنه قبل من أحدٍ لقمةً ولا ثمرة. حتى كان له جارٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>