العسكر كالجبلين من القمح والشعير، فكان من يجيء من بعيد يقول: متى حدثت هذه الجبال هنا؟ فيقال: إنما هي غلة. وتمادى الحصار، وفي مدته أخذ بالأمان بلد سفاقس، وبلد طرابلس، وقصور إفريقية، وافتتح قابس بالسيف. وكانت عساكره تغار، وجاءت جيوش صاحب صقلية، لعنه الله، فكانت مائتين وخمسين شينيًا، فنصر الله عليهم أسطول عبد المؤمن.
قال عبد الواحد (١): واشتد على جيشه الغلاء، بلغني عن غير واحد أنهم اشتروا سبع باقلات بدرهم مؤمني، وهو نصف درهم النصاب، ثم افتتحها بعد أن أمن النصارى على أن يلحقوا بصقلية. ثم جهز إلى قابس من افتتحها، ثم افتتح أطرابلس المغرب، وأرسل إلى توزر وبلاد الجريد، فافتتحت كلها، وأخرج الفرنج منها وألحقهم ببلادهم، وتطهرت إفريقية من الكفر، وتم له ملك المغرب من طرابلس إلى سوس الأقصى، وأكثر جزيرة الأندلس. قال: وهذه مملكة لا أعلمها انتظمت لأحد قبله منذ أيام مروان الحمار.
وقيل: إنه بدا له أن يمر في هذا الوجه على قرية تاجرا، وبها ولد، ليزور قبر أمه وليصل من هناك من ذوي رحمه، فلما أطل عليها والجيوش قد انتشرت بين يديه، والرايات قد خفقت على رأسه، أكثر من ثلاث مائة راية من بنود وألوية، وهزت أكثر من مائتي طبل، وطبولهم في نهاية الكبر وغاية الضخامة، يخيل لسامعها إذا ضربت أن الأرض من تحته تهتز، فخرج أهل القرية للقائه، فقالت عجوز منهم: هكذا يعود الغريب إلى بلده، ورفعت صوتها.
وفي سنة ثمان وخمسين أمر الناس بالجهاد لغزو الروم بالأندلس، واستنفر أهل مملكته ثم سار حتى نزل مدينة سلا، فمرض ثم مات بها في السابع والعشرين من جمادى الآخرة، وكان قد جعل ولي عهده محمدًا ولده الكبير، وكان لا يصلح لإدمانه الخمور وكثرة طيشه، وقيل: كان به جذام. فلما مات اضطرب أمر محمد هذا، وخلعوه بعد شهر ونصف، وأجمعت الدولة على تولية أحد أخويه يوسف أو عمر، فأباها عمر، فبايعوا أبا يعقوب يوسف، فبقي في الخلافة اثنتين وعشرين سنة.
وخلف عبد المؤمن ستة عشر ابنًا، وهم: محمد المخلوع، وعلي،