من الفقيه أبي الطاهر بن عَوْف. وبمصر من عبد الله بن برّي النحوي. وبدمشق من الفضل بن الحسين البانياسي، وحدّث بحلب. وولي سلطنتها ثلاثين سنة.
قال الموفق عبد اللطيف: كان جميل الصورة، رائع الملاحة، موصوفًا بالجَمال في صِغره وفي كِبَره، وكان له غَورٌ ودهاءٌ ومكرٌ؛ وأعظم دليل على دهائه مقاومته لعمّه الملك العادل، وكان لا يُخْليه يومًا من خوفٍ، وشغْل قلبٍ. وكان يصادق ملوك الأطراف ويباطنهم ويلاطفهم، ويوهمهم أنه لولا هو لقد كان العادل يَقصدهم، ويُوهِم عمّه أنه لولا هو لم يُطعه أحدٌ من الملوك ولكاشفوه بالشِّقاق، فكان بهذا التدبير يستولي على الجهتين، ويستعبد الفريقين، ويشغل بعضهم ببعض. وكان كريمًا مِعطاءً، يَغْمر الملوك بالتُّحف، والرسل بالنُّحْل، والشعراء والقُصّاد بالصلات. وتزوّج بابنة العادل وماتت معه، ثم تزوّج بأختها، فكان له عَرسٌ مشهودٌ، وجاءت منه بالملك العزيز في أول سنة عشرٍ، وأظهر السرور بولادته، وبقيت حلب مُزيَّنة شهرين، والناس في أكلٍ وشُربٍ، ولم يُبق صِنفًا من أصناف الناس إلا أفاض عليهم النعم، ووصلهم بالإحسان، وسيَّر إلى المدارس والخوانك الغَنَم والذهب، وأمرهم أن يعملوا الولائم، ثم فعل ذلك مع الأجناد والغِلمان والخدم، وعمل للنساء دعوةً مشهودةً أُغلقت لها المدينة. وأما داره بالقلعة فزيّنها بالجواهر وأواني الذهب الكثيرة، وكان حين أمر بحفر الخراب حول القلعة وجد عشرين لَبِنة ذهب فيها قنطار بالحلبي، فعمِل منها أربعين قَشْوةً بحُقاقِها، وخَتَن ولده الأكبر أحمد، وختنَ معه جماعة من أولاد المدينة، وقُدِّم له تقادم جليلة فلم يقبل منها شيئًا رِفقًا بهم، لكن قبِل قطعة سمندل طول ذراعين في ذراع، فغمّسوها في الزيت وأوقدوها حتى نفد الزيت، وهي ترجع بيضاء فالتهوا بها عن جميع ما حضر.
وكان عنده من أولاد أبيه وأولاد أولادهم مائة وخمسة وعشرون نفْسًا، وزوّج الذكور منهم بالإناث، وعقد في يومٍ واحدٍ خمسة وعشرين عَقدًا بينهم، ثم صار كل ليلة يعمل عُرسًا ويحتفل له، وبقي على ذلك مدة رجب وشعبان ورمضان. وكان بينه وبين سُلطان الروم عز الدين كيكاوس بن كَيْخُسرو صداقةً