حمزة ابن الحبوبي، وخلق كثير. وسكن القدس مدّةً طويلة، ثمّ قدم دمشق سنة ثمانين وأربعمائة، فأقام بها يدرّس ويفتي، إلى أن مات بها.
نقل صاحب تاريخ دمشق أنّ السلطان تاج الدولة تتش زار الفقيه نصراً، فلم يقم له، ولا التفت إليه، وكذا ولده دقاق، وسأله دقاق: أي الأموال أحلّ؟ فقال: مال الجوالي، فبعث إليه بمبلغٍ، فلم يقبله، وقال: لا حاجة بنا إليه. فلمّا راح الرّسول لامه نصر المصيصي وقال: قد علمت حاجتنا إليه، فقال له: لا تجزع، فسوف يأتيك من الدّنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان كما تفرس فيه، حكاها غيث الأرمنازي، وقال: سمعته يقول: درست على سليم أربع سنين، فسألته في كم كتبت تعليقة سليم؟ فقال: في ثلاثمائة جزء؛ وما كتبت منها شيئا إلاّ على وضوء.
قلت: وكان إماماً علاّمة في المذهب، زاهداً، قانتاً، ورعاً، كبير الشأن.
قال الحافظ ابن عساكر: لم يقبل من أحدٍ صلةً بدمشق، بل كان يقتات من غلةٍ تحمل إليه من أرضٍ بنابلس ملكه، فيخبز له كلّ ليلة قرصةً في جانب الكانون، حكى لي ناصر النّجار، وكان يخدمه، أشياء عجيبة من زهده وتقلّله، وتركه تناول الشّهوات. وكان رحمه الله، على طريقةٍ واحدةٍ من الزّهد والتنزه عن الدّنايا والتّقشف، وحكى لي بعض أهل العلم قال: صحبت إمام الحرمين بخراسان، وأبا إسحاق الشيرازي ببغداد، فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة إمام الحرمين. ثمّ قدمت الشّام، فرأيت الفقيه أبا الفتح، فكانت طريقته أحسن من طريقتيهما.
قال غيره: كان الفقيه نصر يعرف بابن أبي حائط.
ومن تصانيفه: كتاب الحجّة على تارك المحجّة، وهو مشهور مروي، وكتاب الانتخاب الدمشقي وهو كبير في بضعة عشر مجلداً، وكتاب التّهذيب في المذهب في عشر مجلدات، وكتاب الكافي مجلّد، ليس فيه قولين ولا وجهين، وعاش أكثر من ثمانين سنة. ولمّا قدم الغزالي دمشق جالس الفقيه نصراً، وأخذ عنه، وتفقّه به جماعة بدمشق.
توفّي يوم عاشوراء، ودفن بمقبرة باب الصّغير، وقبره ظاهرُ يزار، رحمه الله.