تخرجه إلى هذا. ما كان إلا من أدهى الناس. ولكنه كان يطلق بحضرة الوزير قريباً من ذلك لسلامة طبع كان فيه، ولأنه كان يحب أن يصور نفسه عندهم بصورة الأبله لتأمنه الوزراء لكثرة خلوته بالخلفاء. فأنا أحدثك عنه بحديث تعلم أنه في غاية الحزم.
ثم قال: حدثني أبي أن ابن الفرات لما ولي الوزارة، قال: فقصدني قصداً قبيحاً لشيء كان في نفسه علي وبالغ، وتلطفت معه بكل طريق. وكان عندي في ذلك الوقت سبعة آلاف ألف دينار عيناً وجوهراً سوى غيرها. ففكرت في أمري، فوقع لي الرأي في الليل في الثلث الأخير.
فركبت في الحال إلى داره، فدققت فقال البوابون: ليس هذا وقت وصول، والوزير نائم. فقلت: عرفوا الحجاب أني حضرت في مهم. فعرفوهم، فخرج إلي أحدهم فقال: إنه إلى ساعة ينتبه. فقلت: لا، الأمر أهم من ذلك فنبهه.
فدخل، ثم خرج فأدخلني إليه وهو على سرير، وحوله نحو خمسين نفساً، كأنهم حفظة، وقد قاموا وهو جالس مرتاعاً، ظن أن حادثة حدثت، فرفعني وقال: ما الأمر؟ فقلت: خير، ما حدث شيء، ولا جئت إلا في أمر يخصني. فسكن وصرف من حوله، وقال: هات. فقلت: أيها الوزير، إنك قصدتني أقبح قصد، وشرعت في هلاكي بإزالة نعمتي، ولعمري، إني أسأت في خدمتك.
وقد كان في بعض هذا التقويم بلاغ عندي. وقد جهدت في استصلاحك، فلم يغن. وليس شيء أضعف من الهر، وإذا عاث في دكان الفامي فظفر به ولزه وثب عليه وخمشه. ولست أضعف من السنور، وقد جعلت هذا الكلام عذراً. فإن صلحت لي وإلا فعلي وعلي.
وعقدت الأيمان لأقصدن الخليفة الآن، وأحمل إليه من خزانتي ألفي ألف دينار، وأقول: سلم ابن الفرات إلى فلان ووله الوزارة. فيخدمني ويرجع تدبير أموره إلي، فأسلمك إليه، فيعذبك حتى يأخذ منك الألفي ألف. وأنت تعلم أن حالك يفي بها، ويعظم قدري بعزلي وزيراً وتقليدي آخر.
فلما سمع هذا، قال: يا عدو الله، وتستحل هذا؟ فقلت: إن أحوجتني إلى هذا، وإلا فاحلف لي الساعة على معاملتي بكل جميل، ولا تبغ لي الغوائل. فقال: وتحلف لي أنت أيضاً على مثل ذلك، وعلى حسن الطاعة