وأخرج المسألة، فأخذ القاضي الكتاب وقرأ المسألة، فقال لعبد الملك ما ساءه من القول، وحرج عليه، وقال: تفتينا بالكذب والخطأ، وتخالف أصحابك بالهوى؟ لولا البقيا عليك لعاقبتك. ثم قاموا. قال عبد الأعلى: فلما خرجت خطرت على دار ابن رستم الحاجب، فرأيت عبد الملك خارجا من عنده وفي وجهه البشر. فقلت: ما لي لا أدخل على ابن رستم؟ فدخلت، فلم ينتظر جلوسي وقال: يا مسكين من غرك، أو من أدخلك في مثل هذا تعارض مثل عبد الملك بن حبيب وتكذبه؟ فقلت: أصلحك الله، إنما سألني القاضي عن شيء، فأجبته بما عندي. ثم خرجت من عنده. فإذا بعبد الملك قد شكا إليه الخبر وقال له: إنه عمل على صنيعته وأتى برجل ليس من أهل العلم والرواية، فأجلس معي وكذبني، وأوقفني موقفا عجيبا. فقال له ابن رستم: اكتب بطاقة تجلي الأمر وارفعها إلى الأمير. فكتب يصف القصة، ويشنع. فأمر الأمير أن يبعث في القاضي. فبعث فيه، فخرجت إليه وصية الأمير يقول له: من أمرك أن تشاور عبد الأعلى. وكان عبد الملك قد بنى بطاقته على أن يحيى بن يحيى أمره بذلك. فقال القاضي: ما أمرني أحد بمشاورته، ولكنه كان يختلف إلي، وكنت أعرفه من أهل العلم والخير، مع الحركة والفهم والحج والرحلة، فلم أر نفسي في سعة من ترك مشاورة مثله. وسأل الأمير وزراءه عن عبد الأعلى، فأثنوا عليه ووصفوا علمه وولاءه. وكان له ولاء. قال عبد الأعلى: فصحبت يوما عيسى ابن الشهيد، فقال لي: قد رفعت عليك رقعة رديئة لكن الله دفع شرها.
قال ابن الفرضي: كان فقيها، نحويا، شاعرا، عروضيًا، أخباريا نسَّابة، طويل اللسان متصرفا في فُنُون العلم، روى عنه بقيُّ بن مخلد، ومحمد بن وضاح، ويوسف بن يحيى المغامي، ومطرِّف بن قيس، وخلق، وآخر من مات من أصحابه يوسف المغامي. وقد سكن بلد البيرة من الأندلس مدَّة، ثم استقدمه الأمير عبد الرحمن بن الحكم، فرتبه في الفتوى بقرطبة، وقُرِّرَ مع يحيى بن يحيى في المشاورة والنظر، فلما تُوفِّي يحيى، تفرد عبد الملك برئاسة العلم بالأندلس.