وبقي بركياروق ومحمد كفرسي رهان، فدخل العقلاء بينهم بالصلح، وكتبت بينهم أيمان وعهود ومواثيق، فيها ترجيح جانب بركياروق، وأقيمت له الخطبة ببغداد، وتسلم أصبهان بمقتضى الصلح، وأرسل الخليفة خلع السلطنة إلى بركياروق.
وفيها جاءت الفرنج في البحر، فأعانوا صنجيل على حصار طرابلس، وبالغوا في الحصار أياماً، فلم يغن شيئاً، ففارقوه. ونازلوا مدينة جبيل أياماً، وجدوا في القتال، فعجز أهلها وتسلموها بالأمان، فغدروا بأهلها، وأخذوا أموالهم وعذبوهم. ثم ساروا إلى عكا نجدةً لبردوين صاحب القدس، فحاصروها براً وبحراً، وأميرها زهر الدولة نبأ الجيوشي، فزحفوا عليها مرة غير مرة، إلى أن عجز نبأ عن عكا، ففارقها ونزل في البحر، وأخذتها الفرنج بالسيف، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقدم واليها إلى دمشق، ثم دخل إلى مصر، وعفا عنه أمير الجيوش الأفضل.
وفيها نازلت الفرنج حران، فسار لجهادهم سقمان وجكرمش في عشرة آلاف فارس، فكانت الوقعة على نهر البليخ، فانهزم المسلمون أولاً، وتبعتهم الفرنج فرسخين، ثم عاد المسلمون عليهم فقتلوهم كيف شاؤوا، وغنموا أسلابهم، وكان فتحاً عظيماً أذل نفوس الفرنج بمرة. وكان بيمند صاحب أنطاكية وتنكري صاحب الساحل قد كمنا وراء جبل، فلما خرجا رأيا أصحابهم منهزمين، فتسحبا في الليل، وفطن بهم المسلمون فتبعوهم، وقتلوا وأسروا، وأفلت الملكان في ستة فرسان. وأسروا قمص الرها، وحاز الغنيمة عسكر سقمان، ولم يظفر عسكر جكرمش صاحب الموصل بطائل.
ورحل سقمان وألبس أصحابه أسلاب الفرنج، ورفع أعلامهم، وكان يأتي الحصن فتخرج الفرنج منه، ظناً أن هؤلاء أصحابهم، فيقتلونهم، ويملك سقمان الحصن، فعل ذلك بعدة حصون.
وأما جكرمش فإنه سار إلى حران وتسلمها، وقرر بها نائبه، وسار فحاصر الرها خمسة عشر يوماً وبها الفرنج، ثم ترحل إلى الموصل وفي أسره القمص، ففاداه بخمسة وثلاثين ألف دينار، ومائة وستين أسيراً من المسلمين؛