وقت صلاة؛ يعني بعد العصر، فانصرفت وقد خُزيت، وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحّون. فقصدته وأعلمته بما جرى علي فدلني على موطأ مالك. فبدأت به عليه قراءة من ثاني يوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام، وبدأتُ بالمناظرة.
ثم قال ابن العربي: صحبت ابن حزم سبعة أعوام، وسمعت منه جميع مصنّفاته، سوى المجلد الأخير من كتاب الفِصَل، وهو ست مجلدات، وقرأنا عليه من كتاب الإيصال أربع مجلدات في سنة ست وخمسين، وهو أربعة وعشرون مجلدا، ولي منه إجازة غير مرة.
وقال أبو مروان بن حيّان: توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة. ثم قال: كان رحمه الله حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب، وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التعليم القديمة من المنطق والفلسفة. وله كتب كثيرة لم يخل فيها من غَلطٍ لجُراءته في التسوّر على الفنون، لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زلّ هناك، وضلّ في سلوك المسائل، وخالف أرسطوطاليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض. ومال أولا إلى النظر على رأي الشافعي، وناضل عن مذهبه حتى وُسم به، فاستُهدف بذلك لكثير من الفقهاء، وعيب بالشذوذ، ثم عدَل إلى قول أصحاب الظاهر، فنقّحه، وجادل عنه، وثبت عليه إلى أن مات. وكان يحمل علمه هذا، ويُجادل عنه من خالفه على استرسال في طباعه، ومذْل بأسراره، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله تعالى على العلماء {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} فلم يك يلطّف صدعه بما عنده بتعريض ولا بتدريج، بل يصكّ به من عارضه صك الجَندل، وينشقه إنشاق الخردل، فتنفر عنه القلوب، وتوقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فتمالؤوا عليه، وأجمعوا على تضليله، وشنّعوا عليه، وحذّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامّهم عن الدنو منه، فطفق الملوك يُقصونه عن قربهم، ويسيِّرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره بلدة من بادية لَبلة، وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع، يبثّ علمه فيمن ينتابه من بادية بلده، من عامة المقتبسين، منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدثهم، ويفقههم، ويُدارسهم. كمل من مصنفاته وِقر بعير، لم يعد أكثرها عتبة باديته لزهد الفقهاء فيها، حتى أنه أحرق بعضها بإشبيلية ومزّقت