وأما سعة أمواله، فلم تكن تدخل تحت حصر، بل كان الفارس يمشي من صلاة الصبح إلى آخر الساعة الثانية في فرقانات من الإبل والبقر والغنم كلها له، وكان يسكن في مدينة منفردة عن البلد الكبير.
وأما حماسته وشدة بأسه فيضرب بها المثل، وهو شيء يزيد على العادة بنوع من التأييد، فلم يكن أحد يقدر أن يجر قوسه، وكان سهمه ينفذ من الدرقة ومن الإنسان الذي تحتها، وكان الناس يسرحون أموالهم إلى واد معشب مخصب مسبع بعيد من البلد، وفيه عبيد متغلبة نحو من ثلاثة آلاف راجل، قد حموا ذلك الوادي بالسيف، يقطعون الطريق، ويعتصمون بشعفات الجبال وصياصيها. وكان العدد الذي يسرح مع المال في كل يوم خمسمائة قوس ومائة فارس، فشكى الناس إلى علي بن زيدان أن فيهم من قد طال شعره، وانقطع حذاؤه ووتره، وسألوه أن ينظر لهم من ينوب عنهم يومًا ليصلحوا أحوالهم، فنادى مناديه بالليل: من أراد أن يقعد فليقعد، فقد كفي. ثم أمر الرعاء فسرحوا، وركب وحده فرسًا له نجديًا من أكرم الخيل سبقًا وأدبًا وجنب حجرة، فما هو إلا أن وردت الأنعام ذلك الوادي حتى خرجت عليها العبيد، فاستاقوها وقتلوا من الرعاء تسعة. فركب ابن زيدان فأدرك العبيد، وهم سبعمائة رجل أبطالا، فقال لهم: ردوا المال وإلا فأنا علي بن زيدان. فتسرعوا إليه فكان لا يضع سهمًا إلا بقتيل، حتى إذا ضايقوه اندفع عنهم غير بعيد، فإذا ولوا كر عليهم، ولم يزل ذلك دأبه ودأبهم حتى قتل منهم خمسة وتسعين رجلًا، فطلب الباقون أمانه ففعل، وأمرهم أن يدير بعضهم بكتاف بعض، ففعلوا، وأخذ جميع أسلحتهم فحملها بعمائمهم على ظهور الإبل، وعاد والعبيد بين يديه أسارى. وقد كان بعض الرعاء هرب فنعاه إلى الناس، فخرج الناس أرسالًا حتى لقوه العصر خارجًا من الوادي، والمواشي سالمة، والعبيد أسارى. قال لي أبي: أذكر أنا لم نصل تلك الليلة صحبته إلى المدينة حتى كسرت العرب على باب داري ألف سيف، حتى قيل: إن عليًا قتل وامتد الخبر إلى بني الحارث، وكانوا حلفاء، فأصبح في منازلهم سبعون فرسًا معقورة وثلاثمائة قوس مكسورة حزنًا عليه. ثم اصطنع العبيد وأعتقهم، ورد عليهم أسلحتهم، فتكفلوا له أمان البلاد من عشائرهم. وكان السفهاء والشباب منا لا