وقيل للمأمون: أي المجالس أحسن؟ قال: ما نظر فيه إلى الناس. فلا منظر أحسن من الناس.
وكان المأمون معروفا بالتشيع، فروى أبو داود المصاحفي قال: سمعت النضر بن شميل يقول: دخلت على المأمون فقال: إني قلت اليوم:
أصبح ديني الذي أدين به ولست منه الغداة معتذرا حب علي بعد النبي ولا أشتم صديقه ولا عمرا وابن عفانٍ في الجنان مع الأبرار ذاك القتيل مصطبرا وعائش الأم لست أشتمها من يفتريها فنحن منه برا وقد نادى المأمون بإباحة متعة النساء، ثم لم يزل به يحيى بن أكثم حتى أبطلها، وروى له حديث الزهري، عن ابني الحنفية، عن أبيهما محمد، عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر. فلما صحح له الحديث رجع إلى الحق.
وأما مسألة خلق القرآن فلم يرجع عنها وصمم عليها في سنة ثمان عشرة. وامتحن العلماء، فعوجل ولم يمهل. توجه غازيا إلى أرض الروم فلما وصل إلى البذندون مرض واشتد به الأمر فأوصى بالخلافة إلى أخيه المعتصم.
وكان قد افتتح في غزوته أربعة عشر حصنا، ورد فنزل على عين البذندون، فأقام هناك واعتل.
قال المسعودي: أعجبه برد ماء العين وصفاؤها، وطيب الموضع وكثرة الخضرة، وقد طرح له درهم في العين، فقرأ ما عليه لفرط صفائها. ولم يقدر أحد أن يسبح فيها لشدة بردها. فرأى سمكة نحو الذراع كأنها الفضة. فجعل لمن يخرجها سيفا، فنزل فراشٌ فاصطادها وطلع، فاضطربت وفرت إلى الماء فتنضح صدر المأمون ونحره وابتل ثوبه. ثم نزل الفراش ثانيةً وأخذها. فقال المأمون: تقلى الساعة. ثم أخذته رعدة فغطي باللحف وهو يرتعد ويصيح. فأوقدت حوله نارٌ. ثم أتي بالسمكة فما ذاقها لشغله بحاله. فسأل المعتصم بختيشوع وابن ماسوية عن مرضه، فجساه، فوجدا نبضه خارجا عن الاعتدال،