للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاشفين إلى مراكش في رمضان من السنة، فلما دخلت سنة أربع عزم على العبور إلى الأندلس لمنازلة المعتمد بن عباد، فاستعد له ابن عباد، ونازلته البربر، فاستغاث بالأذفونش، فلم يلتفت إليه.

وكانت إمرة يوسف بن تاشفين عند موت أبي بكر بن عمر أمير المسلمين سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وكانت الدولة قبلهما لزناتة، وكانت دولة ظالمة فاجرة، وكان ابن تاشفين وعسكره فيهم يبس وديانة وجهاد، فافتتح البلاد، وأحبته الرعية، وضيق لثامه هو وجماعته، فقيل: إنهم كانوا يتلثمون في الصحراء كعادة العرب، فلما تملك ضيق ذلك اللثام.

قال عزيز: ومما رأيته عيانا أنه كان لي صديق منهم بدمشقٍ، وبيننا مودة، فأتيته، فدخلت وقد غسل عمامته، وشد سرواله على رأسه، وتلثم به، هذا بعد أن انقضت دولتهم، وتفرقوا في البلاد، وحكى لي ثقة أنه رأى شيخا من الملثمة بالمغرب منزويا في نهر يغسل ثيابه وهو عريان، وعورته بادية، ويده اليمنى يغسل بها، ويده اليسرى يستر بها وجهه!

وقد جعل هؤلاء اللثام لوجوههم جنة، فلا يعرف الشيخ منهم من الشاب، فلا يزيلونه ليلا ولا نهارا، حتى أن المقتول منهم في المعركة لا يكاد يعرفه أهله، حتى يجعلوا على وجهه لثاما، ولبعضهم:

قوم لهم درك العلى في حميرٍ وإن انتموا صنهاجةً فهم هم لما حووا إحراز كل فضيلةٍ غلب الحياء عليهمو فتلثموا وتزوج ابن تاشفين بزينب زوجة أبي بكر بن عمر، وكانت حاكمة عليه، وكذلك جميع الملثمين يكبرون نساءهم، وينقادون لأمرهن، وما يسمون الرجل منهم إلا بأمه.

وهنا حكاية، وهي أن ابن خلوف القاضي الأديب كان له شعر، فبلغ زينب هذه أنه مدح حواء امرأة سير بن أبي بكر، وفضلها على جميع النساء بالجمال، فأمرت بعزله عن القضاء، فسار إلى أغمات، واستأذن عليها، فدخل

<<  <  ج: ص:  >  >>