وساق بتخاص المنصوري إلى السلطان وهو نازل على بدعرش بقرب قاقون ليخبره بأن العدو في البلاد وقد قربوا، فضعف الجيش عن اللقاء وجبنوا، ورحل السلطان إلى الديار المصرية ولم تظهر لمجيئه ثمرة، فوجلت القلوب واختبط البلد، وأيقن الناس بالهرب أو العطب واكتريت المحارة بخمسمائة في الوحل العظيم والبرد الشديد والأمطار، وهلك الدواب والناس في الطرق واستهل جمادى الأولى والناس في حالة الله بها عليم، فخرج يومئذ شيخنا ابن تيمية إلى المرج، واجتمع بنائب السلطنة وسكنه وثبته وأقام عنده يومين، ثم ساق على البريد إلى السلطان فلم يدركه وفات الأمر، فساق إلى القاهرة فدخلها يوم دخول الجيش.
ويوم سابع جمادى الأولى قدم بكتمر السلحدار في ألف فارس وتيقن الناس رجعة المصريين إلى بلادهم، واستمروا في الكري والسفر وانجفل من البلد أمم عظيمة.
ويوم التاسع من الشهر أصبح الناس في خوف مفرط وذلك أن والي البلد ابن النحاس جفل الناس بنفسه، وصار يمر على التجار في الأسواق ويقول: أيش قعودكم؟ ومن قدر على السفر فليبادر، ثم نودي في البلد بذلك الظهر فصاح النساء والأولاد وغلقت الأسواق وبقي الناس في كآبة وخمدة وقالوا: عسكر المسلمين قد فرط فيه، الأمراء المصريون قد رجعوا وعسكر الشام لا يقوم بملتقى قازان لو ثبتوا، كيف وهم عازمون على الهرب؟ والنائب الأفرم من عزمه الملتقى لو ثبت معه الجيش، أما إذا خذلوه واندفعوا بين يدي العدو فما حيلته وتحدث الناس أن قازان يركب من حلب إلينا في عاشر جمادى الأولى، ودخل القلعة في هذا اليوم خلق كثير بأقواتهم وأموالهم حتى ضاقت بالخلق وانرصت حتى رضي كثير من الناس بأن يصح لهم مكان لجلوسهم لا يمكنهم فيه النوم، وحاروا في أمرهم وبولهم، ثم نودي في عاشر الشهر: من قصده الجهاد فليقعد ويتهيأ له ومن هو عاجز فلينج بنفسه.