فلما أصبح الناس من الغد طلبوا من الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان الأرزاق، وماج الناس بعضهم في بعض، وقام محمد بن أبي خالد كبير الأبناء بباب الشام فقال: أيها الناس، والله ما أدري بأي سبب تأمر الحسين علينا؟ والله ما هو بأكبرنا سنا، ولا أكرمنا حسبا، ولا أعظمنا منزلة وغناء، وإن فينا من لا يرضى بالدنية، ولا ينقاد بالمخادعة، وإني أولكم نقض عهده، وأنكر فعله، فمن كان رأيه رأيي فليعتزل معي، وقام أسد الحربي فقال نحو مقالته، فأقبل شيخ كبير من أبناء الكفية فصاح: اسكتوا أيها الناس؛ فسكتوا له، فقال: هل تعتدون على محمد بقطع أرزاقكم؟ قالوا: لا. قال: فهل قصر بأحد من أعيانكم؟ قالوا: ما علمنا. قال: فهل عزل أحدا من قوادكم؟ قالوا: لا. قال: فما بالكم خذلتموه، وأعنتم عدوه على اضطهاده وأسره؟ أما والله ما قتل قوم خليفتهم إلا سلط الله عليهم السيف، انهضوا إلى خليفتكم فادفعوا عنه، وقاتلوا من أراد خلعه، فنهضت الحربية، ونهض معهم عامة أهل الأرباض، فقاتلوا الحسين وأصحابه قتالا شديدا، وأكثروا في أصحابه الجراح، وأسر الحسين، فدخل أسد الحربي على الأمين، فكسر قيوده وأقعده في مجلس الخلافة، فنظر محمد إلى قوم ليس عليهم لباس الجند، ولا عليهم سلاح، فأمرهم فأخذوا من الخزائن حاجتهم من السلاح، ووعدهم ومناهم.
وأحضروا الحسين فلامه على خلافه، وقال: ألم أقدم أباك على الناس، وأشرف أقداركم؟ قال: بلى. قال: فما الذي استحققت به منك أن تخلع طاعتي، وتؤلب الناس على قتالي؟ قال: الثقة بعفو أمير المؤمنين وحسن الظن بصفحه، قال: فإني قد فعلت ذلك، ووليتك الطلب بثأر أبيك، ثم خلع عليه، وأمره بالمسير إلى حلوان، فخرج.
فلما خف الناس قطع الجسر، وهرب في نفر من حشمه ومواليه، فنادى الأمين في الناس فركبوا فأدركوه، فلما بصر بالخيل نزل فصلى ركعتين ثم تهيأ، فلقيهم وحمل عليهم حملات في كلها يهزمهم، ثم عثر به فرسه فسقط وابتدره الناس فقتلوه، وذلك على فرسخ من بغداد للنصف من رجب، وأتوا برأسه.
وقيل: إن الأمين لما عفا عنه استوزره، ودفع إليه خاتمه، وصبيحة قتله جدد الجند البيعة للأمين. وليلة قتله هرب الفضل بن الربيع.