وعن خفيف السمرقندي قال: خرجت مع المعتضد للصيد، وقد انقطع عنا العسكر، فخرج علينا أسد فقال: يا خفيف أفيك خير؟ قلت: لا. قال: ولا تمسك فرسي؟ قلت: بلى. فنزل وتحزم وسل سيفه وقصد الأسد، فقصده الأسد، فتلقاه المعتضد بسيفه قطع يده، فتشاغل الأسد بها، فضربه فلق هامته، ومسح بسيفه في صوفه وركب. قال: وصحبته إلى أن مات، فما سمعته يذكر ذلك لقلة احتفاله بما صنع.
قلت: وكان المعتضد يبخل ويجمع المال. وقد ولي حرب الزنج وظفر بهم. وفي أيامه سكنت الفتن لفرط هيبته.
وكان غلامه بدر على شرطته، وعبيد الله بن سليمان على وزارته، ومحمد بن شاه على حرسه. وكانت أيامه أياماً طيبة كثيرة الأمن والرخاء. وكان قد أسقط المكوس، ونشر العدل، ورفع الظلم عن الرعية.
وكان يسمى السفاح الثاني، لأنه جدد ملك بني العباس، وكان قد خلق وضعف وكاد يزول. وكان في اضطراب بين من وقت موت المتوكل.
وبلغنا أنه أنشأ قصراً أنفق عليه أربع مائة ألف دينار. وكان مزاجه قد تغير من كثرة إفراطه في الجماع، وعدم الحمية بحيث إنه أكل في علته زيتوناً وسمكاً.
ومن عجيب ما ذكر المسعودي إن صح قال: شكوا في موت المعتضد، فتقدم الطبيب فجس نبضه، ففتح عينه ورفس الطبيب برجله فدحاه أذرعا، فمات الطبيب. ثم مات المعتضد من ساعته.
وعن وصيف الخادم قال: سمعت المعتضد يقول عند موته:
تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا ولا تأمنن الدهر إني أمنته فلم يبق لي حالاً ولم يرع لي حقا قتلت صناديد الرجال فلم أدع عدواً، ولم أمهل على ظنة خلقا وأخليت دور الملك من كل بازل وشتتهم غرباً ومزقتهم شرقا فلما بلغت النجم عزاً ورفعة ودانت رقاب الخلق أجمع لي رقا رماني الردى سهماً فأخمد جمرتي فها أنذا في حفرتي عاجلاً ملقى