مقالتهم، وجعلوا يرغون، يقول الخصم: كذا وكذا. فاحتججت عليهم بالقرآن بقوله:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم] فذم إبراهيم أباه بأن عبد ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني عنه شيئا، فهذا منكر عندكم؟ فقالوا: شبه يا أمير المؤمنين، شبه يا أمير المؤمنين.
وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي: حدثني بعض أصحابنا أن ابن أبي دؤاد أقبل على أحمد يكلمه فلم يلتفت إليه حتى قال المعتصم: يا أحمد ألا تُكلم أبا عبد الله؟ فقال أحمد: لست أعرفه من أهل العلم فأكلمه.
وقال صالح بن أحمد: وجعل ابن أبي دؤاد يقول: يا أمير المؤمنين، والله لئن أجابك لهو أحب إلي من مائة ألف دينار، ومائة ألف دينار، فيعد من ذلك ما شاء الله أن يعد، فقال المعتصم: والله لئن أجابني لأطلقن عنه بيدي، ولأركبن إليه بجندي، ولأطأن عقبه. ثم قال: يا أحمد، والله إني عليك لشفيق، وإني لأشفق عليك كشفقتي على هارون ابني. ما تقول؟ فأقول: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله. فلما طال المجلس ضجر، وقال: قوموا. وحبسني، يعني عنده، وعبد الرحمن بن إسحاق يكلمني. وقال: ويحك أجبني. وقال: ما أعرفك، ألم تكن تأتينا؟ فقال له عبد الرحمن بن إسحاق: يا أمير المؤمنين أعرفه منذ ثلاثين سنة يرى طاعتك والجهاد معك والحج. فيقول: والله إنه لعالم، وإنه لفقيه، وما يسوءني أن يكون معي يرد عني أهل الملل. ثم قال لي: ما كنت تعرف صالحا الرشيدي؟ قلت: قد سمعت باسمه. قال: كان مؤدبي، وكان في ذلك الموضع جالسا، وأشار إلى ناحية من الدار، فسألته عن القرآن فخالفني، فأمرت به فوطئ وسحب. ثم قال: يا أحمد أجبني إلى شيء لك فيه أدنى فرج حتى أطلق عنك بيدي. قلت: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله. فطال المجلس وقام، ورددت إلى الموضع الذي كنت فيه، فلما كان بعد المغرب وجه إلي رجلين من أصحاب ابن أبي دؤاد يبيتان عندي ويناظراني ويقيمان معي، حتى إذا كان وقت الإفطار جيء بالطعام، ويجتهدان بي أن أفطر، فلا أفعل. ووجه إلي المعتصم ابن أبي دؤاد في بعض الليل فقال: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول؟ فأرد عليه نحوا مما كنت أرد. فقال ابن أبي دؤاد: والله لقد كتب اسمك في السبعة، يحيى بن معين، وغيره، فمحوته.