المسجد الأقصى له عادةٌ سارت فصارت مثلاً سائرا إذا غدا بالكُفْر مُسْتوطناً أن يبعث الله له ناصرا فناصرٌ طهَّرهُ أولا وناصرٌ طهَّره آخرا ثمّ إنّه كلَّم الصّالح نجمَ الدّين وقال له: إنْ أخرجتك وملّكتك الدّيار المصريّة، ما تفعل معي؟ قال: أنا غلامك وفي أسْرك، قلْ ما شئت. فاشترط عليه أنْ يعطيه دمشق ويعينه على أخذها وأن يمكّنه من الأموال، وذكر شروطاً يتعذّر الوفاء بها. ثمّ أخرجه وسار معه وقد كاتبه أمراءُ أبيه الكامل من مصر، وكرهوا سلطنة أخيه العادل. فلمّا ملّك الديار المصريّة وقع التّسويف من الصّالح والمغالطة، فغضب الناّصر ورجع، وقد وقعت الوحشة بينهما. وزعم الصّالح أنّه إنّما حلف له مكرَهاً وقال: كنت في قبضته.
وحكى ابن واصل عن صاحب حماة المنصور أنّ الملك الصّالح لمّا استقرّ بمصر قال لبعض أصحابه: امض إلى النّاصر وخوِّفه منّي بالقبض عليه لعلّه يرحل عنّا. فجاء ذلك وأوهمه، فسارع الخروج إلى الكرك.
ثمّ إنّ الصّالح أساء العشرة في حقّ النّاصر وبعث عسكراً فاستولوا على بلاد النّاصر، ولم يزل كلّ وقت يُضايقه ويأخذ أطراف بلاده حتّى لم يبق له إلاّ الكرك. ثم في سنة أربع وأربعين نازله فخر الدّين ابن الشّيخ. وحاصره أيّاماً ورحل.
وأمّا النّاصر فقلَّ ما عنده من المال والذّخائر، واشتدّ عليه الأمر، فعمل هذه يعاتب فيها ابن عمّه الملك الصّالح:
عمّي أبوك، ووالدي عمٌّ، به يعلو انتسابك كلَّ ملكِ أصْيدِ دعْ سيفَ مِقْولي البليغ يذبّ عن أعراضكم بفرنده المتوقد فهو الذي قد صاغ تاج فخاركم بمفصل من لؤلؤ وزبرجد لولا مقالُ الهجر منك لما بدا منّي افتخارٌ بالقريضِ المُنْشَدِ ثمّ أخذ يفتخر ويذكر جُوده وجلالته، ويعرّض باعتقاله للصّالح وإخراجه.